×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

فالشيطانُ له أمرٌ، واللهُ جل وعلا له أمرٌ، اللهُ أمرَ بعِبادته، ونَهى عن الإشراكِ به، والشيطانُ يأمرُ بالشِّرك ويَنهى عن التوحيدِ.

وليسَ المُرَاد شَيطان الجِنِّ فقط، لكن شَياطين الإنسِ أشدُّ، ولذلك قدَّمهم اللهُ بالذِّكْر على شياطينِ الجنِّ: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ} [الأنعام: 112] ؛ لأن شياطينَ الإنسِ يُخالِطُوننا، ويَتظاهرُون لنا بالأُخُوَّة والمَحبة، ونَراهُم مِن جِنسنا يَجلسون معنا ويتحدَّثون معنا.

أما شَياطينُ الجِنِّ فإنهم يُزيِّنون في القَلب ويُشبِّهون على الناسِ وهم لا يَرَوْنَهم: {إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ} [الأعراف: 27] ، فشياطينُ الإنسِ أخطرُ على البَشَرِيَّة مِن شياطينِ الجِنِّ، ولذلكَ يَجِب الحَذَر مِنهم.

هذا هو تَحقيقُ شَهادة أنْ لاَ إلهَ إلا اللهُ، فليستْ هِي كَلمة تُقَال باللسانِ فَقط، ولو كانَ الأمرُ كذلكَ لَمَا شَقَّ على الناسِ أمرُها، لكِنها كَلمة ثقيلةٌ تحتاجُ عَملاً والتزامًا، فهي خَفيفةٌ على اللسانِ لكِنها ثَقيلة في العَمل، فتَحتاج إلى تَقَيُّدٍ بها، وتَحتاج إلى أن تصرفَ جَميع العِبادات للهِ، وأن يُترَك الشركُ كُلُّه، وهذا صَعبٌ إلا عَلى مَن وَفَّقه اللهُ.

فإذا قالَ العبدُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، فإنه يَجِب عليه أن يلتزمَ بمَعناها، وأن يعملَ بمُقتضاها، أما أنْ يَقولها بلِسانه فَقط، فهذا لا يُجدِي شيئًا ولو رَدَّدها وكَرَّرها.

فالذِين يَقولون: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، ويُكثِرون تَردِيدها، ولهم أَوْرَادٌ صَباحِيَّة ومَسَائِيَّة، ولكِنهم يَدعُون غيرَ اللهِ، يَتوسَّلون بالمَوتى والقُبور والأَضرِحة ويَستغيثون بهم، هَؤلاء نَاقَضُوا «لا إلهَ إلا اللهُ» وأَبطَلُوها، فجَمعُوا بينَ المُتَناقِضَيْن مِن حَيث لا يَشعُرون.


الشرح