فإذا اشتغلتِ الرُّوح بالمَلذَّات والشَّهوات
والغَفلات فقدتْ هذه النِّعمة وهذه الرَّاحة، ولهذا فإن أهلَ الكَسَل والعُصاة
تَثقُل عليهم الطَّاعات، وتَشُقّ عليهم مَشقَّة عَظيمة، قالَ اللهُ جل وعلا : {وَٱسۡتَعِينُواْ
بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} أي: الصَّلاة {إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} [البقرة: 45] ، الخَاشعون
يتلذَّذون بها، ويَستريحون بها، مَهما طالتْ فهم في لَذَّة، كما كانَ النبيُّ صلى
الله عليه وسلم يستريحُ بالصلاةِ ويَقول: «يَا
بِلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بِهَا» ([1]).
وأما أهلُ الكَسَل وأهلُ
ضَعفِ الإيمانِ أو المُنافق فهذا أشقُّ شيءٍ عليه الصَّلاة؛ لأنه لا يَجِد لها
لَذَّةً ولا يَجِد فيها راحةً، وإذا دخلَ فيها فهو كالطائرِ في القَفَص، يُريد
الخُروج منها، وقد يُسابق الإمامَ ولا يَصبر؛ لأنها ثقيلةٌ عليه: { وَٱسۡتَعِينُواْ
بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ ٤٥ٱلَّذِينَ
يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ٤٦ } [البقرة: 45، 46] ،
فهذا هو السِّرُّ في كَوْن هَؤلاء يَتكاسلُون عن الصَّلاة ويَتثاقلُون عَنها؛
لأنهم لا يَجِدون فيها رَاحتهم ولذَّتهم، وإنما يَجِدون هذا في شَهَواتهم.
وقوله: «وَهَذِا بمَنْزِلَةُ السَّكْرَانِ
الْمُسْتَغْرِقِ فِي سُكْرِهِ» السُّكْر ليسَ خاصًّا بالخَمْر، فقد يَسْكَرُ
الإنسانُ بمَلَذَّات الدنيَا وشَهواتها، فهو سكرٌ بمَعنى أنه مَشغول البالِ
والفِكْر، فلا يَستحضر ما أمامَه وما هو قادمٌ عليه ويَغفل عنه، مِثل السَّكران
الذِي لا يَدري أينَ هُو. فالسُّكْر سُكْرَان: سُكْر الخمرِ، وسُكْر الغَفلة.
قالَ تَعالى: { وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ ١٩وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ ٢٠وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ ٢١لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ ٢٢ } [ق: 19- 22] ،
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4985)، وأحمد رقم (4572)، والطبراني في الكبير رقم (6215).