وَرُوحُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَسِرُّهَا:
إِفْرَادُ الرَّبِّ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَتَبَارَكَ
اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُهُ - بِالْمَحَبَّةِ
وَالإِْجْلاَلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ مِنَ
التَّوَكُّلِ وَالإِْنَابَةِ وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ.
فَلاَ يُحَبُّ سِوَاهُ،
وَكُلُّ مَا كَانَ يُحَبُّ غَيْرَهُ فَإِنَّمَا يُحَبُّ تَبَعًا لِمَحَبَّتِهِ،
وَكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى زِيَادَةِ مَحَبَّتِهِ، وَلاَ يُخَافُ سِوَاهُ، وَلاَ
يُرْجَى سِوَاهُ، وَلاَ يُتَوَكَّلُ إِلاَّ عَلَيْهِ، وَلاَ يُرْغَبُ إِلاَّ
إِلَيْهِ، وَلاَ يُرْهَبُ إِلاَّ مِنْهُ، وَلاَ يُحْلَفُ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَلاَ
يُنْظَرُ إِلاَّ لَهُ، وَلاَ يُتَابُ إِلاَّ إِلَيْهِ، وَلاَ يُطَاعُ إِلاَّ
أَمْرُهُ، وَلاَ يُتَحَسَّبُ إِلاَّ بِهِ، وَلاَ يُسْتَغَاثُ فِي الشَّدَائِدِ
إِلاَّ بِهِ، وَلاَ يُلْتَجَأُ إِلاَّ إِلَيْهِ، وَلاَ يُسْجَدُ إِلاَّ لَهُ،
وَلاَ يُذْبَحُ إِلاَّ لَهُ وَبِاسْمِهِ.
وَيَجْتَمِعُ ذَلِكَ فِي
حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ: أَنْ لاَ يُعْبَدَ إِلاَّ إِيَّاهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ
الْعِبَادَةِ، فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
****
الشرح
لا يزالُ المُؤلِّف رحمه
الله يتكلَّم على «لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ» وما تَقتضِيه مِن إفرادِ اللهِ جل وعلا بالعِبادة، وتَرك عِبادة ما
سِواه؛ لأنها مُرَكَّبةٌ من شَيئين: نَفي وإثباتٍ، فقَوله: «لاَ إِلَهَ» هذا نَفيٌ، وقَوله: «إِلاَّ اللهُ»: هذا إثباتٌ.
والنفيُ يَنفي جميعَ ما يُعبَد من دُون اللهِ، ويُبطِل عِبادته؛ لأنه مَخلوقٌ لا يَستحقُّ العِبادة، وأما اللهُ جل وعلا فهو الذِي يَستحقُّ العِبادة؛ لأنه تبارك وتعالى هو الخالقُ، الرازقُ، المُحيِي، المُمِيت، المُدبِّر، كُل شيءٍ بأمرِه، وكُل شيءٍ بيدِه، وأما ما سِواه فإنه مَخلوقٌ، ولا يَستطيعُ أن يخلقَ شَيْئًا: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ } [الحج: 73] ،