فما دَامُوا لا يقدرونَ على
خَلْقِ شيءٍ حتى أَتْفَه الأشياءِ فإنهم لا يَستحقُّون شيئًا من العِبادة.
ولكن المُشركين يَقولون: نحن
نَعلم أنهم لا يَخلقون ولا يَرزقُون، وإنما نُريد منهم الوَسَاطةَ بينَنا وبينَ
اللهِ، والشفاعةَ عِند اللهِ: {وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ
مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا
عِندَ ٱللَّهِِۚ} [يونس: 18] ، {وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن
دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ
زُلۡفَىٰٓ} [الزمر: 3] ، هذه
حُجَّتُهم.
واللهُ جل وعلا ليسَ بحاجةٍ
إلى الوُسَطاء والشُّفَعاء، بل إنه أمرَنا بعِبادته وحدَه ودُعائه مُباشرةً: { وَقَالَ
رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ
عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60] .
فليسَ اللهُ بحاجةٍ إلى أن تتَّخذ
بينك وبينَه وَاسِطةً؛ لأن اللهَ يعلمُ كُل شيءٍ، إنما تتخذُ الواسِطة عِند الذِي
لا يعلمُ الأشياءَ حتى يُبلَّغ عنها، مِثل المُلوك والرُّؤَساء الذينَ لا يعلمونَ
أحوالَ الرَّعِيَّة حتى يَأتيهم مَن يُعلِمهم بها، فيَحتاجون إلى مَن يُبلِغهم،
وحَتى إذا عَلموا فإنهم لا يَستجيبُون لحَاجة الرَّعِيَّة إلا بعدَ تعبٍ وبعدَ
طلبٍ.
أما اللهُ جل وعلا فإنه
عليمٌ بكُلِّ شيءٍ لا تَخفى عليه خَافِية: {قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ ٱللَّهَ
بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ} [يونس: 18] .
اللهُ جل وعلا يعلمُ حَوائِج العِباد، ويعلمُ فقرَهم، وأيضًا هو يُريد لعِباده الخَير والنفعَ، ويُريد لهم الرزقَ، فما عَليهم إلا أن يَتوجَّهوا إليه بالدعاءِ ويَطلبوا منه سبحانه وتعالى ، فهو قريبٌ مُجيب، وليسَ بحاجةٍ إلى الوُسَطاء والشُّفَعاء كما هو حَال مُلوكِ ورُؤساء الدنيَا، فهذا من قِياس الخَالق على المَخلوق، وهذا تَنقيصٌ للهِ عز وجل .