فأبو بكرٍ الصِّدِّيق هو
الذِي جَاهد المُرتدِّين، وجَاهد معه صَحابة رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى
قَضوا على فِتنتهم، وأَراحوا المُسلمين مِن شَرِّهم، وهَذه علامةُ صِدقِ المَحبة
للهِ عز وجل .
أما الذِي يُحِب اللهَ
ويُحِب معه غَيره، فهذه مَحبة المُشركين، وهي مِن الشِّرك في العِبادة؛ لأن
العِبادة أَعظم أنواعِ المَحبة، فمَن أحبَّ مع اللهِ غَيره فقد أشركَ شِركًا
أكبرَ، ولذلكَ تَجِد المُشركين يَستميتون في الدِّفاع عن أصنامِهم ويُقاتلون
دُونها؛ لأنهم يُحِبونها - والعِياذُ باللهِ - حُبًّا عظيمًا، وشَاركُوها مع اللهِ
في المَحبة، فهم يُحِبون اللهَ ويُحِبون معه الأصنامَ، وهذا هو الشِّرك الأَكْبَر.
فمَحبة العِبادة يَجِب أن
تكُون خَالصة للهِ عز وجل لا يُشاركه فيها غَيره، فكَما أنه لا يذبحُ لغيرِ اللهِ،
ولا ينذرُ لغيرِ اللهِ، ولا يُصلى ولا يُصام لغَير اللهِ، كذلكَ لا يحبُّ إلا
اللهَ مَحبة العِبادة، أما المَحبة الطَّبيعية - كمَحبة الأولادِ والأموالِ
والأزواجِ - لا يُلاَم عليها الإنسانُ.
وبَنُو إسرائيلَ لما صنعَ لهم
السَّامِرِيُّ عِجْلاً له خُوَار أُشْرِبُوا هذا العِجْل في قُلوبهم، بمَعنى: أنهم
أحبُّوه - والعِياذُ باللهِ - وفُتِنُوا به، فصَاروا لا يَصبِرُون عنه، وعَبدوه
مِن دُون اللهِ: {فَقَالُواْ
هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ} [طه: 88] ، يَعني: نسيَ مُوسى وذهبَ إلى رَبه وهو
مَوجود هُنا! هذا كَلامهم والعِياذُ باللهِ.
وقوله: «وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِهَا الْمَحْمُودَةِ: مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَمَحَبَّةُ مَا أَحَبَّ» كذلكَ بعدَ مَحبة اللهِ يُحِب مَن يُحِبهم اللهُ مِن رُسله وأَنبيائه وأَوْليائه، فتكُون مَحبتهم تابعةً لمَحبة اللهِ، ويُبغِض مَن يُبغِضهم اللهُ، وهَذا هو الوَلاء والبَرَاء.