وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ
لَمْ يَقُولُوا إِنَّ آلِهَتَهُمْ تُغَالِبُهُ وَتَطْلُبُ الْعُلُوَّ عَلَيْهِ،
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ: {قُل لَّوۡ كَانَ مَعَهُۥٓ
ءَالِهَةٞ كَمَا يَقُولُونَ} [الإِْسْرَاءِ: 42] وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ:
إِنَّ آلِهَتَهُمْ تَبْتَغِي التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ وَتُقَرِّبُهُمْ زُلْفَى إِلَيْهِ،
فَقَالُوا: لَوْ كَانَ الأَْمْرُ كَمَا تَقُولُونَ لَكَانَتْ تِلْكَ الآْلِهَةُ
عَبِيدًا لَهُ، فَلِمَاذَا تَعْبُدُونَ عَبِيدَهُ مِنْ دُونِهِ؟!
****
الشرح
قَوله تَعالى: { لَوۡ
كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ} [الأَْنْبِيَاءِ: 22] ، وقَوله: { مَا ٱتَّخَذَ
ٱللَّهُ مِن وَلَدٖ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍۚ إِذٗا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۢ
بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ}، هذا بُرهانٌ عَقْلِيٌّ على التَّوْحِيد، فإذا كانَ
هُناك آلهةٌ مُتَعَدِّدة فلا يُمكِن أن يَصِير تَدبيرُهم واحدًا أبدًا، فلا بُدَّ
مِن أحدِ أمرينِ: إما أن يتغلَّب أحدُهما، وهذا هو الإلهُ الحَقُّ، وإما أن
يَقتسِمَا الكَوْن، فيَذهبُ كُلُّ واحدٍ بنَصيبِه، ويَفُضُّون الشِّرْكَة، وحينئذٍ
يَفسدُ الكَوْن.
والكونُ الآنَ ليسَ فيه
انقسامٌ، ليسَ فيه شيءٌ للهِ وشيءٌ لغيرِ اللهِ، بل الكَوْن كُله للهِ عز وجل ،
وهذا كُلُّه بُرهانٌ قاطعٌ عقليٌّ يَدُل على وَحدانية اللهِ سبحانه وتعالى .
وقَوله تَعالى: {قُل لَّوۡ كَانَ مَعَهُۥٓ ءَالِهَةٞ كَمَا يَقُولُونَ} [الإِْسْرَاءِ: 42] أي: كَما يقولُ المُشركون {إِذٗا لَّٱبۡتَغَوۡاْ إِلَىٰ ذِي ٱلۡعَرۡشِ سَبِيلٗا} يَعني: تَغالبُوا، مِثل المُلوك في الدنيَا يَتغالبون كُل واحدٍ يُريد المُلْك، فلا يكُون في البَلَد مَلكانِ أو أَمِيرانِ أبدًا، إلا إذا كانَ أحدُهما تحتَ الآخَرِ، فيكُون مُساعِدًا له.