عُقُولُهُمْ فَلاَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا.
وَأَخْبَارُ الْعُشَّاقِ فِي ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا، بَلْ بَعْضُهَا
مَشَاهَدٌ بِالْعِيَانِ، وَأَشْرَفُ مَا فِي الإِْنْسَان عَقْلُهُ، وَبِهِ
يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، فَإِذَا عُدِمَ عَقْلَهُ الْتَحَقَ
بِالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ حَالُ الْحَيَوَانِ أَصْلَحَ مِنْ
حَالِهِ، وَهَلْ أَذْهَبَ عَقْلَ مَجْنُونِ لَيْلَى وَأَضْرَابِهِ إِلاَّ ذَلِكَ؟
وَرُبَّمَا زَادَ جُنُونُهُ
عَلَى جُنُونِ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ ([1]):
قَالُوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى
فَقُلْتُ لَهُمْ |
|
الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ |
الْعِشْقُ لاَ يَسْتَفِيقُ
الدَّهْرَ صَاحِبُهُ |
|
وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ
فِي الْحِينِ |
السَّابِعُ: أَنَّهُ
رُبَّمَا أَفْسَدَ الْحَوَاسَّ أَوْ بَعْضَهَا، إِمَّا إِفْسَادًا مَعْنَوِيًّا
أَوْ صُورِيًّا.
أَمَّا الْفَسَادُ
الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ تَابِعٌ لِفَسَادِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا
فَسَدَ فَسَدَتِ الْعَيْنُ وَالأُْذُنُ وَاللِّسَانُ، فَيَرَى الْقَبِيحَ حَسَنًا
مِنْهُ وَمِنْ مَعْشُوقِهِ كَمَا فِي الْمُسْنَدِ مَرْفُوعًا: «حُبُّكَ الشَّيْءَ
يُعْمِي وَيُصِمُّ» ([2]). فَهُوَ
يُعْمِي عَيْنَ الْقَلْبِ عَنْ رُؤْيَةِ مَسَاوِئِ الْمَحْبُوبِ وَعُيُوبِهِ،
فَلاَ تَرَى الْعَيْنُ ذَلِكَ، وَيُصِمُّ أُذُنَهُ عَنِ الإِْصْغَاءِ إِلَى
الْعَدْلِ فِيهِ، فَلاَ تَسْمَعُ الأُْذُنُ ذَلِكَ.
وَالرَّغَبَاتُ تَسْتُرُ
الْعُيُوبَ، فَالرَّاغِبُ فِي الشَّيْءِ لاَ يَرَى عُيُوبَهُ، حَتَّى إِذْ زَالَتْ
رَغْبَتُهُ فِيهِ أَبْصَرَ عُيُوبَهُ، فَشِدَّةُ الرَّغْبَةِ غِشَاوَةٌ عَلَى
الْعَيْنِ، تَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، كَمَا قِيلَ ([3]) :
هَوَيْتُكَ إِذْ عَيْنِي عَلَيْهَا
غِشَاوَةٌ |
|
فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ
نَفَسِي أَلُومُهَا |
([1])ينسب البيتان لمجنون ليلى قيس بن الملوح، ينظر: ديوانه (ص: 218).