وَالدَّاخِلُ فِي الشَّيْءِ
لاَ يَرَى عُيُوبَهُ، وَالْخَارِجُ مِنْهُ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ لاَ يَرَى
عُيُوبَهُ، وَلاَ يَرَى عُيُوبَهُ إِلاَّ مَنْ دَخَلَ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ،
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الإِْسْلاَمِ بَعْدَ
الْكُفْرِ خَيْرًا مِنَ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِْسْلاَمِ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رضي الله عنه : «إِنَّمَا تَنْتَقِضُ عُرَى الإِْسْلاَمِ عُرْوَةً
عُرْوَةً، إِذَا وُلِدَ فِي الإِْسْلاَمِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ».
وَأَمَّا فَسَادُ الْحَوَاسِّ
ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ يُمْرِضُ الْبَدَنَ وَيُنْهِكُهُ، وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى
تَلَفِهِ، كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي أَخْبَارِ مَنْ قَتَلَهُمُ الْعِشْقُ.
وَقَدْ رُفِعَ إِلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ وَهُوَ بِعَرَفَةَ شَابٌّ قَدِ انْتَحَلَ حَتَّى عَادَ جِلْدًا عَلَى
عَظْمٍ، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ قَالُوا: بِهِ الْعِشْقُ، فَجَعَلَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعِشْقِ عَامَّةَ يَوْمِهِ ([1]).
الثَّامِنُ: أَنَّ الْعِشْقَ
كَمَا تَقَدَّمَ هُوَ الإِْفْرَاطُ فِي الْمَحَبَّة، بِحَيْثُ يَسْتَوْلِي الْمَعْشُوقُ
عَلَى قَلْبِ الْعَاشِقِ، حَتَّى لاَ يَخْلُوَ مِنْ تَخَيُّلِهِ وَذِكْرِهِ
وَالْفِكْرِ فِيهِ، بِحَيْثُ لاَ يَغِيبُ عَنْ خَاطِرِهِ وَذِهْنِهِ، فَعِنْدَ
ذَلِكَ تَشْتَغِلُ النَّفْسُ عَنِ اسْتِخْدَامِ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ
وَالنَّفْسَانِيَّةِ فَتَتَعَطَّلُ تِلْكَ الْقُوَّةُ، فَيَحْدُثُ بِتَعْطِيلِهَا
مِنَ الآْفَاتِ عَلَى الْبَدَنِ وَالرُّوحِ مَا يَعِزُّ دَوَاؤُهُ وَيَتَعَذَّرُ،
فَتَتَغَيَّرُ أَفْعَالُهُ وَصِفَاتُهُ وَمَقَاصِدُهُ، وَيَخْتَلُّ جَمِيعُ
ذَلِكَ، فَتَعْجِزُ الْبَشَرُ عَنْ صَلاَحِهِ، كَمَا قِيلَ ([2]) :
الْحُبُّ أَوَّلُ مَا يَكُونُ
لَجَاجَةٌ |
|
يَأْتِي بِهَا وَتَسُوقُهُ
الأَْقْدَارُ |
حَتَّى إِذَا خَاضَ الْفَتَى لُجَجَ
الْهَوَى |
|
جَاءَتْ أُمُورٌ لاَ تُطَاقُ
كِبَارُ |
([1])أخرجه: الخرائطي في اعتلال القلوب (2/373).