×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لاَ يُحَكِّمَ عَلَى نَفْسِهِ عِشْقَ الصُّوَرِ، لِئَلاَّ يُؤَدِّيَهُ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ بَعْضِهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُفَرِّطُ بِنَفَسِهِ الْمُغَرِّرُ بِهَا، فَإِذَا هَلَكَتْ فَهُوَ الَّذِي أَهْلَكَهَا، فَلَوْلاَ تَكْرَارُهُ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ مَعْشُوقِهِ وَطَمَعُهُ فِي وِصَالِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ عِشْقُهُ مِنْ قَلْبِهِ.

فَإِنَّ أَوَّلَ أَسْبَابِ الْعِشْقِ الاِسْتِحْسَانُ سَوَاءٌ تَوَلَّدَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ سَمَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يُقَارِنْهُ طَمَعٌ فِي الْوِصَالِ وَقَارَنَهُ الإِْيَاسُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ الْعِشْقُ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ الطَّمَعُ فَصَرَفَهُ عَنْ فِكْرِهِ وَلَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِهِ؛ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ ذَلِكَ.

فَإِنْ أَطَالَ مَعَ ذَلِكَ الْفِكْرَ فِي مَحَاسِنِ الْمَعْشُوقِ وَقَارَنَهُ خَوْفُ مَا هُوَ أَكْبَرُ عِنْدَهُ مِنْ لَذَّةِ وِصَالِهِ، إِمَّا خَوْفٌ دِينِيٌّ كَدُخُولِ النَّارِ، وَغَضَبِ الْجَبَّارِ، وَاحْتِقَابِ الأَْوْزَارِ، وَغَلَبَ هَذَا الْخَوْفُ عَلَى ذَلِكَ الطَّمَعِ وَالْفِكْرِ؛ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ ذَلِكَ الْعِشْقُ.

فَإِنْ فَاتَهُ هَذَا الْخَوْفُ فَقَارَنَهُ خَوْفٌ دُنْيَوِيٌّ كَخَوْفِ إِتْلاَفِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ ذَهَابِ جَاهِهِ وَسُقُوطِ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَغَلَبَ هَذَا الْخَوْفُ لِدَاعِي الْعِشْقِ دَفَعَهُ.

وَكَذَلِكَ إِذَا خَافَ مِنْ فَوَاتِ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ وَأَنْفَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْشُوقِ، وَقَدَّمَ مَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّة ذَلِكَ الْمَعْشُوقِ؛ انْدَفَعَ عَنْهُ الْعِشْقُ.

فَإِنِ انْتَفَى ذَلِكَ كُلُّهُ، وَغَلَبَتْ مَحَبَّة الْمَعْشُوقِ لِذَلِكَ، انْجَذَبَ إِلَيْهِ الْقَلْبُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَالَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ كُلَّ الْمَيْلِ.

****

الشرح

العِشقُ لا يَقتصِر على المَعشُوقَة وإِفسَاد العَاشق لهَا، بلْ قد تَجلبُ له غيرَها، وتدعُو غيرَها مِن البنَات جنْسها إلى الفَاحشَة،


الشرح