فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْتُمْ آفَاتِ الْعِشْقِ
وَمَضَارَّهُ وَمَفَاسِدَهُ، فَهَلاَّ ذَكَرْتُمْ مَنَافِعَهُ وَفَوَائِدَهُ
الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا: رِقَّةُ الطَّبْعِ، وَتَرْوِيحُ النَّفْسِ
وَخِفَّتُهَا، وَزَوَالُ ثِقَلِهَا وَرِيَاضَتُهَا، وَحَمْلُهَا عَلَى مَكَارِمِ
الأَْخْلاَقِ، مِنَ الشَّجَاعَةِ، وَالْكَرَمِ، وَالْمُرُوءَةِ، وَرِقَّةِ
الْحَاشِيَةِ، وَلُطْفِ الْجَانِبِ.
وَقَدْ قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ
مُعَاذٍ الرَّازِيِّ: إِنَّ ابْنَكَ قَدْ عَشِقَ فُلاَنَةً، فَقَالَ: الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي صَيَّرَهُ إِلَى طَبْعِ الآْدَمِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
الْعِشْقُ دَوَاءُ أَفْئِدَةِ الْكِرَامِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعِشْقُ
لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِذِي مُرُوءَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَخَلِيقَةٍ طَاهِرَةٍ، أَوْ
لِذِي لِسَانٍ فَاضِلٍ، وَإِحْسَانٍ كَامِلٍ، أَوْ لِذِي أَدَبٍ بَارِعٍ، وَحَسَبٍ
نَاصِعٍ.
وَقَالَ آخَرُ: الْعِشْقُ
يُشَجِّعُ جَنَانَ الْجَبَانِ، وَيُصَفِّي ذِهْنَ الْغَبِيِّ، وَيُسَخِّي كَفَّ
الْبَخِيلِ، وَيُذِلُّ عِزَّةَ الْمُلُوكِ، وَيُسَكِّنُ نَوَافِرَ الأَْخْلاَقِ،
وَهُوَ أَنِيسُ مَنْ لاَ أَنِيسَ لَهُ، وَجَلِيسُ مَنْ لاَ جَلِيسَ لَهُ.
وَقَالَ آخَرُ: الْعِشْقُ
يُزِيلُ الأَْثْقَالَ، وَيُلَطِّفُ الرُّوحَ، وَيُصَفِّي كَدَرَ الْقَلْبِ،
وَيُوجِبُ الاِرْتِيَاحَ لأَِفْعَالِ الْكِرَامِ ([1])، كَمَا
قَالَ الشَّاعِرُ ([2]):
|
سَيَهْلِكُ فِي الدُّنْيَا شَفِيقٌ
عَلَيْكُمْ |
|
إِذَا غَالَهُ مِنْ حَادِثِ
الْحُبِّ غَائِلُهُ |
|
كَرِيمٌ يُمِيتُ السِّرَّ حَتَّى
كَأَنَّهُ |
|
إِذَا اسْتَفْهَمُوهُ عَنْ
حَدِيثِكَ جَاهِلُهُ |
|
يَوَدُّ بِأَنْ يُمْسِيَ سَقِيمًا
لَعَلَّهَا |
|
إِذَا سَمِعَتْ عَنْهُ بِشَكْوَى تُرَاسِلُهُ |
|
وَيَهْتَزُّ لِلْمَعْرُوفِ فِي
طَلَبِ الْعُلاَ |
|
لِتُحْمَدَ يَوْمًا عِنْدَ لَيْلَى
شَمَائِلُهُ |
فَالْعِشْقُ يَحْمِلُ عَلَى مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ.
([1])ينظر: بهجة المجالس (1/817، 818).