×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْتُمْ آفَاتِ الْعِشْقِ وَمَضَارَّهُ وَمَفَاسِدَهُ، فَهَلاَّ ذَكَرْتُمْ مَنَافِعَهُ وَفَوَائِدَهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا: رِقَّةُ الطَّبْعِ، وَتَرْوِيحُ النَّفْسِ وَخِفَّتُهَا، وَزَوَالُ ثِقَلِهَا وَرِيَاضَتُهَا، وَحَمْلُهَا عَلَى مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ، مِنَ الشَّجَاعَةِ، وَالْكَرَمِ، وَالْمُرُوءَةِ، وَرِقَّةِ الْحَاشِيَةِ، وَلُطْفِ الْجَانِبِ.

وَقَدْ قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ: إِنَّ ابْنَكَ قَدْ عَشِقَ فُلاَنَةً، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَيَّرَهُ إِلَى طَبْعِ الآْدَمِيِّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِشْقُ دَوَاءُ أَفْئِدَةِ الْكِرَامِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعِشْقُ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِذِي مُرُوءَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَخَلِيقَةٍ طَاهِرَةٍ، أَوْ لِذِي لِسَانٍ فَاضِلٍ، وَإِحْسَانٍ كَامِلٍ، أَوْ لِذِي أَدَبٍ بَارِعٍ، وَحَسَبٍ نَاصِعٍ.

وَقَالَ آخَرُ: الْعِشْقُ يُشَجِّعُ جَنَانَ الْجَبَانِ، وَيُصَفِّي ذِهْنَ الْغَبِيِّ، وَيُسَخِّي كَفَّ الْبَخِيلِ، وَيُذِلُّ عِزَّةَ الْمُلُوكِ، وَيُسَكِّنُ نَوَافِرَ الأَْخْلاَقِ، وَهُوَ أَنِيسُ مَنْ لاَ أَنِيسَ لَهُ، وَجَلِيسُ مَنْ لاَ جَلِيسَ لَهُ.

وَقَالَ آخَرُ: الْعِشْقُ يُزِيلُ الأَْثْقَالَ، وَيُلَطِّفُ الرُّوحَ، وَيُصَفِّي كَدَرَ الْقَلْبِ، وَيُوجِبُ الاِرْتِيَاحَ لأَِفْعَالِ الْكِرَامِ ([1])، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ ([2]):

سَيَهْلِكُ فِي الدُّنْيَا شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ

 

إِذَا غَالَهُ مِنْ حَادِثِ الْحُبِّ غَائِلُهُ

كَرِيمٌ يُمِيتُ السِّرَّ حَتَّى كَأَنَّهُ

 

إِذَا اسْتَفْهَمُوهُ عَنْ حَدِيثِكَ جَاهِلُهُ

يَوَدُّ بِأَنْ يُمْسِيَ سَقِيمًا لَعَلَّهَا

 

إِذَا سَمِعَتْ عَنْهُ بِشَكْوَى تُرَاسِلُهُ

وَيَهْتَزُّ لِلْمَعْرُوفِ فِي طَلَبِ الْعُلاَ

 

لِتُحْمَدَ يَوْمًا عِنْدَ لَيْلَى شَمَائِلُهُ

فَالْعِشْقُ يَحْمِلُ عَلَى مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ.


الشرح

([1])ينظر: بهجة المجالس (1/817، 818).

([2])الأبيات لكُثيِّر عزَّة، ينظر: ديوانه (ص: 420).