وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ
فَسَادَ الْعِشْقِ الَّذِي مُتَعَلِّقُهُ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ بِالْمَعْشُوقِ، وَإِنَّمَا
الْكَلاَمُ فِيالْعِشْقِ الْعَفِيفِ مِنَ الرَّجُلِ الظَّرِيفِ، الَّذِي يَأْبَى
لَهُ دِينُهُ وَعِفَّتُهُ وَمُرُوءَتُهُ أَنْ يُفْسِدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللَّهِ، وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْشُوقِهِ بِالْحَرَامِ، وَهَذَا عِشْقُ
السَّلَفِ الْكِرَامِ وَالأَْئِمَّةِ الأَْعْلاَمِ، فَهَذَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ،
عَشِقَ حَتَّى اشْتُهِرَ أَمْرُهُ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَعَدَّ ظَالِمًا
مَنْ لاَمَهُ، وَمِنْ شِعْرِهِ ([1]) :
|
كَتَمْتَ الْهَوَى حَتَّى أَضَرَّ
بِكَ الْكَتْمُ |
|
وَلاَمَكَ أَقْوَامٌ وَلَوْمُهُمْ
ظُلْمُ |
|
فَنَمَّ عَلَيْكَ الْكَاشِحُونَ،
وَقَبْلَهُمْ |
|
عَلَيْكَ الْهَوَى قَدْ نَمَّ لَوْ
يَنْفَعُ الْكَتْمُ |
|
فَأَصْبَحْتَ كَالْنهِدِيِّ إِذْ
مَاتَ حَسْرَةً |
|
عَلَى إِثْرِ هِنْدٍ أَوْ كَمَنْ
شَفَّهُ سُقْمُ |
|
تَجَنَّبْتَ إِتْيَانَ الْحَبِيبِ
تَأَثُّمًا |
|
أَلاَ إِنَّ هُجْرَانَ الْحَبِيبِ
هُوَ الإِْثْمُ |
|
فَذُقْ هَجْرَهَا قَدْ كُنْتَ
تَزْعُمُ أَنَّهُ |
|
رَشَادٌ أَلاَ يَا رُبَّمَا كَذَبَ
الزَّعْمُ |
وَهَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعِشْقُهُ مَشْهُورٌ لِجَارِيَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَتْ جَارِيَةً بَارِعَةَ الْجَمَالِ، وَكَانَ مُعْجَبًا بِهَا، وَكَانَ يَطْلُبُهَا مِنِ امْرَأَتِهِ، وَيَحْرِصُ عَلَى أَنْ تَهَبَهَا لَهُ، فَتَأْبَى، وَلَمْ تَزَلِ الْجَارِيَةُ فِي نَفْسِ عُمَرَ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، أَمَرَتْ فَاطِمَةُ بِالْجَارِيَةِ فَأُصْلِحَتْ، وَكَانَتْ مَثَلاً فِي حُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ كُنْتَ مُعْجَبًا بِجَارِيَتِي فُلاَنَةَ، وَسَأَلْتَهَا، فَأَبَيْتُ عَلَيْكَ، وَالآْنَ قَدْ طَابَتْ نَفْسِي لَكَ بِهَا، فَلَمَّا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ؛ اسْتَبَانَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ عَجِّلِي عَلَيَّ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ، ازْدَادَ بِهَا عَجَبًا، وَقَالَ لَهَا: أَلْقِي ثِيَابَكِ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: عَلَى رِسْلِكِ، أَخْبِرِينِي لِمَنْ كُنْتِ؟ وَمِنْ أَيْنَ صِرْتِ لِفَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَغْرَمَ الْحَجَّاجُ عَامِلاً لَهُ بِالْكُوفَةِ مَالاً،
([1])ينظر: الأمالي في لغة العرب (2/22)، والتمهيد لابن عبد البر (9/16).