ولِحاقُه بالرَّكب دليلٌ على
بَراءتِهما وصِدقِهما، وعلى أنَّه مُحسنٌ ومُنقذٌ ومُغيثٌ لهذا المَرأَة، فلو
تَركَها لهَلكتْ مِن الظَّمأ؛ لأنَّها في صَحرَاء شَديدَة القَيظِ والحَر.
لكنَّهم أشَاعوا هذا الكَذِب
بين المُسلمِين، ولا يُستغرب عليهم ذلك؛ لأنَّهم مُنافِقون ويَتلمَّسون الكَذبَ
والافْتراءَ على رسُولِ الله وعلى زَوجاتِه وآلِ بيتِه، يُريدُون الطَّعنَ في
رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وكَم لَهم مِن ماوقِف مُخزِية غيرَ هذا مع
الرُّسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا ليس بغريب منهم، ولكنْ تَأثَّر بهم بعضُ أهلِ
الإيمَان وصدَّقُوهم وتَكلَّمُوا مِثلَهم، فأَنزلَ اللهُ تبارك وتعالى الآيَات في
ذلك: {إِنَّ ٱلَّذِينَ
جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ} [النور: 11] سمَّاه اللهُ إفكًا، والإفكُ: هو الكَذب، {لَا
تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم
مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ
عَذَابٌ عَظِيمٞ} [النور: 11] ، وهو عبْد اللهِ بن سَلُول، رأْس المُنافِقين، هو الذي
تولَّى كِبَر هذه الجَريمَة.
فأْصحَاب النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم مِن هذا الكَلام ما أصَابه، وأصَاب عائشة مِن الهَمِّ والحُزنِ الشِّيء
الكثير، وبَقيت الأيامِ لا يَرقأ لها دَمع، تَبْكي الليلَ والنَّهارَ، ثم أَنزلَ
اللهُ تبارك وتعالى بَراءتَها مِن فوق سَبعِ سَموات، وهل يَختَار اللهُ لنبيِّه
وصَفيِّه مِن خلقِه امرأَة غيرَ عَفيفَة لا تَصلُح له؟! هذا تَنقُّص للهِ،
وتَتنقُّص للرسُول، وتَنقُّص لبيتِ رسول الله، فخَيَّب الله ظنَّهم وفَضَحهم.
ثم إِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَقام حدَّ القَذْف على مَن تكلَّم بالإِفكِ مِن أهلِ الإِيمَان، وأمَّا المُنافقُون فلم يُقمْ عليهم الحَد؛ لأنَّهم كفَّار لا يَنفعُ فيهم الحَد، ولأنَّ لهم قبَائل تَناصِرُهم، فَدرَأ المَفسَدة التي تَحصُل مِن إقَامة الحدِّ عليهم، وقَد كان فِيهم كبيرُهم عبدُ اللهِ بنُ أُبي بنِ سَلول،