×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

فنُحبُّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم أَعظَم مِن مَحبتنَا لأُنفسنَا؛ لأنَّه الوَاسطَة بينَنا وبينَ اللهِ، وهو الذي دَلنَا على الخَير، وهو الذي عَلمَنا، وهو الذي دَعَانَا إلى الله، فَلولاَ بعثَة هذا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مَا عَرفنَا اللهَ سبحانه وتعالى ، ولا عَرفنَا كيفَ نَعبدُ الله، ولا عَرفنَا الحقَّ مِن البَاطل، ولا عَرفنَا الهُدى مِن الضَّلال. لكنْ ليسَ معنَى ذلك أنْ نَبتدِع في حقِّه صلى الله عليه وسلم ، ونَزعُم أنَّ هذا مِن مَحبَّته، فنَعملُ الاحتَفالاتِ بمُناسَبة مَولِد الرَّسُول كمَا يَقول المُبتَدعُون، فهذه بِدعَة، والرَّسولُ صلى الله عليه وسلم يبغضُ البِدعَ ونَهى عنهَا، بل نَهى أنْ يغلُو النَّاس في حبِّه، وقال: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّه وَرَسُولُهُ» ([1]).

فلا يُرفعُ فَوقَ مَنزلتِه صلى الله عليه وسلم إلى مَنزلَة الأُلوهيَّة أوالرُّبوبيَّة؛ لأنَّ هذا حقٌّ للهِ تبارك وتعالى .

لله حقٌّ لا يكون لغيرِه

 

ولعبده حقٌّ همَا حقَّانِ

لا تَجعلوا الحَقَّينِ حقًّا وَاحدًا

 

مِن غيرِ تَمييزٍ ولا فُرقانِ

فاللهُ له حقٌّ هو أَصلُ الحُقوقِ، والرَّسولُ له حقٌّ، ولا يُخلَط بينَ الحَقَّين؛ فحقُّ اللهِ هو العبَادة، وحقُّ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم هو الاتبَاعوالمَحَبَّة، ونَصرَة دينِه، وليسَ له حقٌّ مِن العبَادة، وإنَّما هذا للهِ جل وعلا .

فالذي يُحبُّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم حقًّا يَتركُ البِدعَ؛ لأنَّ الرَّسولَ نهى عن البَدعِ، وقَال: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». وفي بَعضِ ألفَاظ الحَديث: «وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ» ([2]).

فعَملُ الاحْتفَال بمُناسَبة مَولدِه - كمَا يزعمُون - هذا بدَعَة، والرَّسولُ لا يُحبُّ البِدعَ ولا يَرضَى عنهَا.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3445).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (4607)، والترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (42).