وَكُلُّ مَا مِنْهُ إِلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ
يَدْعُو إِلَى مَحَبَّتِهِ، مِمَّا يُحِبُّ الْعَبْدُ وَيَكْرَهُ - فَعَطَاؤُهُ وَمَنْعُهُ،
وَمُعَافَاتُهُ وَابْتِلاَؤُهُ، وَقَبْضُهُ وَبَسْطُهُ، وَعَدْلُهُ وَفَضْلُهُ،
وَإِمَاتَتُهُ وَإِحْيَاؤُهُ، وَلُطْفُهُ وَبِرُّهُ، وَرَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ،
وَسَتْرُهُ وَعَفْوُهُ، وَحِلْمُهُ وَصَبْرُهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَإِجَابَتُهُ
لِدُعَائِهِ، وَكَشْفُ كَرْبِهِ، وَإِغَاثَةُ لَهْفَتِهِ، وَتَفْرِيجُ كُرْبَتِهِ
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، بَلْ مَعَ غِنَاهُ التَّامِّ عَنْهُ مِنْ
جَمِيعِ الْوُجُوهِ، كُلُّ ذَلِكَ دَاعٍ لِلْقُلُوبِ إِلَى تَأْلِيهِهِ
وَمَحَبَّتِهِ، بَلْ تَمْكِينُهُ عَبْدَهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَإِعَانَتُهُ
عَلَيْهَا، وَسَتْرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ وَطَرَهُ مِنْهَا، وَكَلاَءَتُهُ
وَحِرَاسَتُهُ لَهُ، وَيَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، يُعِينُهُ
وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهَا بِنِعَمِهِ - مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي إِلَى
مَحَبَّتِهِ.
فَلَوْ أَنَّ مَخْلُوقًا
فَعَلَ بِمَخْلُوقٍ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَمْلِكْ قَلْبَهُ عَنْ
مَحَبَّتِهِ، فَكَيْفَ لاَ يُحِبُّ الْعَبْدُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِمَنْ
يُحْسِنُ إِلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ بِعَدَدِ الأَْنْفَاسِ، مَعَ إِسَاءَتِهِ؟.
فَخَيْرُهُ إِلَيْهِ
نَازِلٌ، وَشَرُّهُ إِلَيْهِ صَاعِدٌ، يَتَحَبَّبُ إِلَيْهِ بِنِعَمِهِ وَهُوَ
غَنِيٌّ عَنْهُ، وَالْعَبْدُ يَتَبَغَّضُ إِلَيْهِ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ فَقِيرٌ
إِلَيْهِ، فَلاَ إِحْسَانُهُ وَبِرُّهُ وَإِنْعَامُهُ إِلَيْهِ يَصُدُّهُ عَنْ
مَعْصِيَتِهِ، وَلاَ مَعْصِيَةُ الْعَبْدِ وَلُؤْمُهُ يَقْطَعُ إِحْسَانَ رَبِّهِ
عَنْهُ. فَأَلأَْمُ اللُّؤْمِ تَخَلُّفُ الْقُلُوبِ عَنْ مَحَبَّة مَنْ هَذَا
شَأْنُهُ، وَتَعَلُّقُهَا بِمَحَبَّة سِوَاهُ.
وَأَيْضًا فَكُلُّ مَنْ
تُحِبُّهُ مِنَ الْخَلْقِ أَوْ يُحِبُّكَ إِنَّمَا يُرِيدُكَ لِنَفْسِهِ
وَغَرَضِهِ مِنْكَ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى يُرِيدُكَ لَكَ، كَمَا فِي الأَْثَرِ
الإِْلَهِيِّ: «عَبْدِي كُلٌّ يُرِيدُكَ لِنَفْسِهِ، وَأَنَا أُرِيدُكَ لَكَ»،
فَكَيْفَ لاَ يَسْتَحِي الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ لَهُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ،
وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ، مَشْغُولٌ بِحُبِّ غَيْرِهِ، قَدِ اسْتَغْرَقَ قَلْبُهُ
بِمَحَبَّة سِوَاهُ؟
****
الشرح
أيضًا ممَّا يُوجبُ مَحَبَّة الله سبحانه وتعالى زَيادَة على نِعمِه وتَوفيقِه أنَّ العَبدَ