إذا عَصَى اللهَ وخَالفَ أمرَه فإنَّ اللهَ
يُبادرُه بالعُقوبَة، بَل يُمهلُه ويَستُر عليْه وَلا يَفضَحُه، وإذَا تَاب تَاب
اللهُ عليْه ومحَا ذنبَه؛ فلو أَخطأتَ على وَاحدٍ مِن النَّاسِ فإنَّه يبغضُكَ
ويُعاديكَ ويَبتعدُ عنكَ، أمَّا اللهُ جل وعلا فإنَّه لا يُؤاخذُك علَى مَا تَفعلُ
إلا بعدَ أنْ تَتمرَّد عَن طَاعتِه، وتَتمرَّد عنِ التَّوبة، فاللهُ يُمهلُك
ويَستُر عَليكَ ويُرزقُك ويُعطيكَ حتَّى تَتوبَ إليْه، وهو سبحانه وتعالى يَصفحُ
عن عبَاده، وَاسعُ العَفوِ والمَغفرَة، كَرمُه وجُودُه على عِبادِه لا حُدودَ له،
وهُم يَعصُونَه ويُخالفُون أَمرَه، وهذا كلُّه ممَّا يُوجبُ مَحبَّته؛ فَخيرُه جل
وعلا إلى عبَادِه نَازلدائمًا وأَبدًا لا يَنقطعُ، وشَر العبَاد يَصعد إليْهمِن
الذُّنوبِ والمَعاصِي والسَّيئاتِ، فهذا مِن العَجائبِ أنَّه يُحسِنُ إليْهم وهُم
يُسيئونَ إليْه، ومَع هذا لا يُعاجلُهم بالعُقوبَة، بَل يَحلُم ويُمهِل، ومَن تابَ
منهم تَاب عليْه ومَحا ذنبَه.
وهو تبارك وتعالى يُعطيهِم
ويُنعِم عليُهم وهو غَنيٌّ عنْهم، ويَطلبُ منهُم التَّوبة لأَجلِ مَصلحتِهم، فهو
سبحانه لا تَنفعُه طَاعةٌ ولا تَضرُّه مَعصيَة، لكنَّ مَنفعَة الطَّاعَة ومَضرَّة
المُعصيَة تَعودُ عليهم؛ فاللهُ جل وعلا يُريدُ لك الخَير، يُريدُك لنَفسكَ، وإلا
فهو غَنيٌّ عَنكَ، وأَنتَ تُعادِيه وتَعصِيه وأَنتَ الفَقيرُ إليْه، وهذا مِن
العَجائب!
ولذلك يَرزقُ اللهُ
الكفَّارَ وهُم أَعداؤُه؛ يَرزقُهم ويُطعمُهم ويُسقِيهم ويُؤويِهم وهُم أَعدَاؤه،
فهذا دَليلٌ على حِلمِه سبحانه وتعالى : {وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ
بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن
يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ} [فاطر: 45] .
فَكونُه يُنعِم حتَّى على أَعدَائه يَدلُّ على رُبوبيَّته وأُلوهيَّته سبحانه وتعالى ، وأنَّه المُستحقُّ للشُّكرِ والحَمدِ والثَّناءِ.