وَأَيْضًا، فَكُلُّ مَنْ
تُعَامِلُهُ مِنَ الْخَلْقِ إِنْ لَمْ يَرْبَحْ عَلَيْكَ لَمْ يُعَامِلْكَ، وَلاَ
بُدَّ لَهُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبْحِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى إِنَّمَا
يُعَامِلُكَ لِتَرْبَحَ أَنْتَ عَلَيْهِ أَعْظَمَ الرِّبْحِ وَأَعْلاَهُ، فَالدِّرْهَمُ
بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ،
وَالسَّيِّئَةُ بِوَاحِدَةٍ وَهِيَ أَسْرَعُ شَيْءٍ مَحْوًا.
وَأَيْضًا هُوَ سُبْحَانَهُ
خَلَقَكَ لِنَفْسِهِ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ،
فَمَنْ أَوْلَى مِنْهُ بِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي مَحَبَّتِهِ، وَبَذْلِ
الْجُهْدِ فِي مَرْضَاتِهِ؟
وَأَيْضًا فَمَطَالِبُكَ -
بَلْ مَطَالِبُ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ جَمِيعًا - لَدَيْهِ، وَهُوَ أَجْوَدُ
الأَْجْوَدِينَ، وَأَكْرَمُ الأَْكْرَمِينَ، أَعْطَى عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ
يَسْأَلَهُ فَوْقَ مَا يُؤَمِّلُهُ، يَشْكُرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْعَمَلِ
وَيُنَمِّيهِ، وَيَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ وَيَمْحُوهُ، {يَسَۡٔلُهُۥ
مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} [الرحمن: 29] ، لاَ
يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَلاَ تُغَلِّطُهُ كَثْرَةُ الْمَسَائِلِ، وَلاَ
يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي
الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ، يَسْتَحِي
مِنْ عَبْدِهِ حَيْثُ لاَ يَسْتَحِي الْعَبْدُ مِنْهُ، وَيَسْتُرُهُ حَيْثُ لاَ
يَسْتُرُ نَفْسَهُ، وَيَرْحَمُهُ حَيْثُ لاَ يَرْحَمُ نَفْسُهُ، دَعَاهُ
بِنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ وَأَيَادِيهِ إِلَى كَرَامَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، فَأَبَى،
فَأَرْسَلَ رُسُلَهُ فِي طَلَبِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعَهُمْ عَهْدَهُ، ثُمَّ
نَزَلَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ نَفْسُهُ، وَقَالَ: «مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ،
مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟» ([1]).
كَمَا قِيلَ: أَدْعُوكَ وَلِلْوَصْلِ تَأْبَى، أَبْعَثُ رَسُولِي فِي الطَّلَبِ، أَنْزِلُ إِلَيْكَ بِنَفْسِي، أَلْقَاكَ فِي النَّوْمِ.
([1])أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).