وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْغَيْرِ بِالتَّوْبَةِ
مِنَ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّ اللَّهِ فَحَقُّ
الْعَبْدِ بَاقٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ مِنْ ظُلْمِ
الْوَالِدِ إِفْسَادَ وَلَدِهِ وَفِلْذَةِ كَبِدِهِ، وَمَنْ هُوَ أَعَزُّ عَلَيْهِ
مِنْ نَفْسِهِ، فَظُلْمُ الزَّوْجِ بِإِفْسَادِ حَبِيبَتِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى
فِرَاشِهِ - أَعْظَمُ مِنْ ظُلْمِهِ بِأَخْذِ مَالِهِ كُلِّهِ، وَلِهَذَا
يُؤْذِيهِ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِمَّا يُؤْذِيهِ أَخْذُ مَالِهِ، وَلاَ يَعْدِلُ
ذَلِكَ عِنْدَهُ إِلاَّ سَفْكُ دَمِهِ، فَيَا لَهُ مِنْ ظُلْمٍ أَعْظَمَ إِثْمًا
مِنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا
لِغَازٍفِي سَبِيلِ اللَّهِ وُقِفَ لَهُ الْجَانِي الْفَاعِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَقِيلَ لَهُ: «خُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ» كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم :
«فَمَا ظَنُّكُمْ؟» ([1])، أَيْ:
فَمَا تَظُنُّونَ يَبْقَى لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ؟
فَإِنِ انْضَافَ إِلَى
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَظْلُومُ جَارًا، أَوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، تَعَدَّدَ
الظُّلْمُ فَصَارَ ظُلْمًا مُؤَكَّدًا لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَإِيذَاءِ الْجَارِ،
وَ«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ» ([2])، وَلاَ
«مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ([3]).
****
الشرح
مَن أَفسدَ فِراشَ زوجٍ بفِعْل الفَاحِشةِ بِزوجتِه هذا لو تَابَ ما تَعفِيه التَّوبَة مِن حقِّ مَن ظَلمَه، فالتَّوبَة فيما بيْن العَبدِ وبيْن ربِّه، لكنَّ حُقوقَ النَّاسِ لا تَسقُطإلا إذا سَمحُوا بها أو دُفعتْ إليْهم، وهذا في الأَموالِ أو في الكَلامِ السَّيءِ، والفَاحِشَة يَبقَى أثرُها ولا يَنمَحِي ولو تَاب فاعلُها ولو اعتَذرَ؛ لأنَّه أفسدَ فِراشًا، وأَدخلَ أَولادًا عَلى غيرِ أَبيهم مِن الزِّنا،
([1])أخرجه: مسلم رقم (1897).