×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وَلَذَّاتُ الدُّنْيَا ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

فَأَعْظَمُهَا وَأَكْمَلُهَا: مَا أَوْصَلَ لَذَّةَ الآْخِرَةِ، وَيُثَابُ الإِْنْسَان عَلَى هَذِهِ اللَّذَّةِ أَتَمَّ ثَوَابٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يُثَابُ عَلَى مَا يَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، مِنْ أَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ، وَلِبَاسِهِ، وَنِكَاحِهِ، وَشِفَاءِ غَيْظِهِ بِقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّهِ، فَكَيْفَ بِلَذَّةِ إِيمَانِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَشَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ، وَطَمَعِهِ فِي رُؤْيَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ؟

النَّوْعُ الثَّانِي: لَذَّةٌ تَمْنَعُ لَذَّةَ الآْخِرَةِ، وَتُعْقِبُ آلاَمًا أَعْظَمَ مِنْهَا، كَلَذَّةِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَيَسْتَمْتِعُونَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، كَمَا يَقُولُونَ فِي الآْخِرَةِ إِذَا لَقُوا رَبَّهُمْ: { وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ وَبَلَغۡنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيٓ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ ١٢٨وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٢٩} [الأَْنْعَامِ: 128- 129] . وَلَذَّةُ أَصْحَابِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ فِي الأَْرْضِ وَالْعُلُوِّ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

وَهَذِهِ اللَّذَّاتُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِيُذِيقَهُمْ بِهَا أَعْظَمَ الآْلاَمِ، وَيَحْرِمَهُمْ بِهَا أَكْمَلَ اللَّذَّاتِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا لَذِيذًا مَسْمُومًا؛ يَسْتَدْرِجُهُ بِهِ إِلَى هَلاَكِهِ، قَالَ تَعَالَى: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨٢وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ١٨٣} [الأَْعْرَافِ: 182- 183] .

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثْنَا لَهُمْ نِعْمَةً ([1]).


الشرح

([1])أخرجه: ابن أبي الدنيا في الشكر رقم (116).