وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي
قَصَدَهُ النَّاصِحُ لِقَوْمِهِ: { وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ
ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ٣٨يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ
ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ ٣٩} [غَافِرٍ: 38- 39]
. فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الدُّنْيَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَأَنَّ
الآْخِرَةَ هِيَ الْمُسْتَقَرُّ.
وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ
لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمَهَا مَتَاعٌ، وَوَسِيلَةٌ إِلَى لَذَّاتِ الآْخِرَةِ،
وَلِذَلِكَ خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتُهَا، فَكُلُّ لَذَّةٍ أَعَانَتْ عَلَى
لَذَّةِ الآْخِرَةِ وَأَوْصَلَتْ إِلَيْهَا لَمْ يُذَمَّ تَنَاوُلُهَا، بَلْ يُحْمَدُ
بِحَسَبِ إِيصَالِهَا إِلَى لَذَّةِ الآْخِرَةِ.
إِذَا عُرِفَ هَذَا
فَأَعْظَمُ نَعِيمِ الآْخِرَةِ وَلَذَّاتِهَا: هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ
الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُهُ، وَسَمَاعُ كَلاَمِهِ مِنْهُ، وَالْقُرْبُ مِنْهُ، كَمَا
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ: «فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ
شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ» ([1]). وَفِي
حَدِيثٍ آخَرَ : «إِنَّهُ إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ وَرَأَوْهُ؛ نَسُوا مَا هُمْ
فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ» ([2]).
وَفِي النَّسَائِيِّ وَمُسْنَدِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَائِهِ: «وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ» ([3]).