×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

فإمَّا أنْ تَكونَ مُحبًّا للقُرآن، وإمَّا أنْ تَكونَ مُحبًّا للأَلحَان، أمَّا أنْ تُحبَّ القُرآنَ وتُحبُّ الأَلحَان فهذا لا يُمكنُ؛ لأنَّهما مُتضَادَّان، فالقُرآنُ كلامُ الله، والألحَان كلامُ الشَّيطَان، وبَينهُما فَرْق.

وقَولُ عُثمانَ رضي الله عنه : «لَو طَهُرت قُلوبُنا» يعني: بمَحَبَّة اللهِ «لمَا شَبعَت مِن كلامِ الله»، وهذا من بَابِ التَّواضُع وعَدمِ تَزكيَة النَّفس، وإلا فإنَّه كان مِن أَهل القُرآنِ الذين يَتهجَّدون بِه، حتَّى إنَّه رُوي عنَّه أنَّه كان يَقرأُ القُرآن في رَكعَة واحِدة مِن طُولِ القِيَام ([1])؛ فهو رضي الله عنه ممَّن يَرتَبط بالقُرآن، وهو الذي جَمعَ القُرآنَ واعتَنى بِه، والمُصحَف العُثمَاني الآن الذي بِأيدِي المُسلمِين هو الذي جَمعَه ورَتَّبه، وهو الذي حَافظَ عليْه، فجعَله اللهُ حَارسًا لكتَابه، ولكنَّه لمْ يُزكِّ نفسَه رضي الله عنه .

وفي قولِه صلى الله عليه وسلم : «إِنَّي أُحبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»، دَليلٌ على أنَّ مَحَبَّة سَمَاع القُرآن عَلامَة مِن عَلامَات مَحَبَّة الله، فإمَّا أنْ يقرَأه هُو، وإمَّا أن يَسمَعه مِن غيرِه؛ وكان الرسُول صلى الله عليه وسلم يعمَل بالحَالتين: فكانَ يَقرَأ القُرآن، وكان يَطلُب مِن غيرِه أنْ يُسمَعَه القُرآن، فقد كانَ يَحبُّ الاستمَاع إلى قِراءَة أبي مُوسَى الأشْعرِي رضي الله عنه وهو يُصلِّي بالليْل، وقَال له: «يَا أَبَا مُوسَى، لَقَد أُوتِيتَ مِزمَارًا مِن مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد» ([2])؛ لأنَّ أبَا مُوسَى أَعطَاه اللهُ صَوتًا جِمِيلاً بالقُرْآن.

فإذَا رَأيتَ مَن يَفتَح الإِذاعَة على القُرآنِ، ويَستَمِع للقُرآنِ، فهذا دَليلٌ عَلى إِيمَانِه ومَحبَّتِه لكَلام اللهِ، وإذا رَأيتَ الذي يُغلِق القُرآنَ ويَستَمعُ للأَغانِي، فهذا دَليلٌ عَلى أنَّه يَكرَه كَلامَ اللهِ عز وجل ويُحبُّ الأَغَاني والمَزامِير، وبِئسَ للظَّالمين بَدلاً.


الشرح

([1])أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه رقم (3/354).

([2])أخرجه: البخاري رقم (5048)، ومسلم رقم (793).