وَكَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُسَاوِي
بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا
أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا لاَ أَمْلِكُ» ([1]) يَعْنِي فِي
الْحُبِّ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَن
تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ} [النِّسَاء: 129]
، يَعْنِي فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ.
****
الشرح
مازَال المُؤلِّف رحمه الله
في سيَاق المَحَبَّة والحُب، وهمَا عمَل قَلبيٌّ يَدفُع إلى عمَل الجَوارِح، فكلُّ
حرَكة في الكَون فإنَّها نَاشِئة عنِ الحُب، ولولمْ يَكنُ هنَاك حُبٌّ في القُلوبِ
لمَا تَحرَّكتِ الأبدَان في تَحصِيل الأَشيَاء.
وأَسَاس المَحَبَّة هي مَحَبَّة
اللهِ جل وعلا ، وهي التِي تَحضُّ على عبَادة اللهِ وعلى الخَوفِ مِن اللهِ، والطَّمعِ
في عَفوِه ورَجاءِ مَغفرتِه، ويَتبع هذا مَحَبَّة الأشيَاء التي تُعينُ على عبادةِ
الله عز وجل ؛ أمَّا المَحَبَّة التي تَصدُّ عن طَاعةِ الله، وتُؤدِّي إلى تَحصيلِ
أشيَاء ضَارَّة؛ فهي مَحَبَّة مَذمُومة.
وغرَض المُؤلِّف هنا أنَّ
المَحَبَّة لا حيلَة للإِنْسَان فيهَا؛ لأنَّها عمَلٌ قَلبيٌّ، فمثَلا: اللهُ جل
وعلا أمرَبالعَدْل بين الزَّوجَات، فقال تعالى: {وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا
تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ
مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً
أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ} [النِّسَاء: 3] . بينما قَال في الآية الأُخرَى: {وَلَن
تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا
تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ} [النِّسَاء: 129] . فمَا هو العَدل المَأمُور به؟
العَدلُ المَأمور به: هو المُستطَاع، وذلك بالنَّفقَة والكِسوَة والسُّكنَى والمَبيتِ بين الزَّوجَات؛ هذه كلُّها يجبُ العَدل فيهَا، ولا يَجوزُ للزَّوج أنْ يحيفَ في شَيءٍ مِنهَا؛ لا في الكِسوَة، ولا في المَبيِت، ولا في السُّكنَى؛ هذا هو العَدلُ الذي أَوجبَه اللهُ على مَن أرَاد تَعددَ الزَّوجَات،
([1])أخرجه: أبو داود رقم (2134)، والترمذي رقم (1140)، والنسائي رقم (3943)، وابن ماجه رقم (1971).