×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وأَمرَ مَن لا يَستطيعُ تَحقيقَه أنْ يَكتفِيَ بِزوجَة واحدَة.

أمَّا العَدل الذي لا يَملِكُه الإِنْسَان، فهذا لا يُكلِّفُ اللهُ به، وهو مَحَبَّة القَلب وميْل القَلب، فقدْ يكُون عند الإِنْسَان امْرأتَان أو أكثَر، فيَحِب إحدَاهن أَكثر مِن غيرِها، وهذا ليسَ للإِنْسَان فيه حِيلَة.

وقد كَان صلى الله عليه وسلم يُحبُّ عائشَة رضي الله عنها أَكثَر مِن غيرِها، لكنَّه لا يَحيفُ معَها، بل كان يَقسِم لهَا مثْل زوجَاته، ويَبيتُ عندَها مثْل زَوجَاته، ويُقسِم لها مِن النَّفقَة والكِسوَة والسُّكنَى مثْل زوجَاته، مع أنَّه يُحبُّها أَكثر مِن غيرِها، ولهذا قَال: «اللَّهُمَّ هَذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلَكُ» يعني: في الأَشيَاء التي يَستَطيع، «فَلا تَلْمْنِي فِيمَا لا أَمْلِكُ» وهو المَحَبَّة القَلبيَّة.

فلا يُمكنُ للإِنْسَان أن يُحبَّ زَوجَاتِه على حدٍّ سَواء؛ لأنَّ هذا ليسَ باسْتطَاعتِه، هذا بيدِ اللهِ سبحانه وتعالى ، فلا يُكلَّف بهذا العَدْل.

ولكنْ لا يَحملُه حبُّ إحدَاهنَّ على أنْ يَميلَ إليهَا فيَزيدهَا على غيرَها، قال صلى الله عليه وسلم : «مَن كَانَتْ لَه امْرَأتَانِ فمَالَ إِلى إِحدَاهمَا، جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ وشِقُّه مَائلٌ» ([1]). يعْني: مَال إِلى إِحداهُما بِزيَادة النَّفقَة أَو الكِسْوةِ أو السُّكنَى أو المَبيتِ، ولهذا قَال تعالى: {وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ} [النِّسَاء: 129] ، فلا يَجوزُ له أنْ يَميلَ مع مَن يُحبُّ مِن نِسائه ويُعرِضُ عن الأُخريَات.

أمَّا المَحَبَّة التي في القَلبِ فلا أَحدٌ يَستطيعُ أن يَعدِل بين النِّسَاء فيهَا، ولو حَرص الإِنْسَان على العدْل فيها ما استطَاع، كذلك شَهوةُ الجمَاع بهنَّ لا يَستطيعُ أنْ يعدِل فيهَا؛ لأنَّ هذا ميْل نَفسيٌّ، فقد يَميلُ إلى إِحدَاهن ويَشتَهيها أَكثر مِن غيرِها، فلا يُكلَّف أنْ يَشتَهي الأُخريَات مِثلهَا؛ لأنَّ هذا ليسَ باستَطاعتِه.


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (2133)، وابن ماجه رقم (1969)، وأحمد رقم (7936).