وَلَمْ يَزَلِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ
وَالرُّحَمَاءُ مِنَ النَّاسِ يَشْفَعُونَ لِلْعُشَّاقِ إِلَى مَعْشُوقِهِمُ
الْجَائِزِ وَصْلُهُنَّ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ،
وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أُتِيَ بِغُلاَمٍ مِنَ الْعَرَبِ وُجِدَ فِي
دَارِ قَوْمٍ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ: مَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: لَسْتُ بِسَارِقٍ،
وَلَكِنِّي أَصْدُقُكَ:
|
تَعَلَّقْتُ فِي دَارِ
الرِّيَاحِيِّ خُودَةً |
|
يَذِلُّ لَهَا مِنْ حُسْنِ
مَنْظَرِهَا الْبَدْرُ |
|
لَهَا فِي بَنَاتِ الرُّومِ حُسْنٌ
وَمَنْظَرُ |
|
إِذَا افْتَخَرَتْ بِالْحُسْنِ
خَافَتْهَا الْفَخْرُ |
|
فَلَمَّا طَرَقْتُ الدَّارَ مِنْ
حَرِّ مُهْجَتِي |
|
أَبَيْتُ وَفِيهَا مِنْ
تَوَقُّدِهَا الْجَمْرُ |
|
تَبَادَرَ أَهْلُ الدَّارِ بِي
ثُمَّ صَيَّحُوا |
|
هُوَ اللِّصُّ مَحْتُومًا لَهُ
الْقَتْلُ وَالأَْسْرُ |
فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شِعْرَهُ، رَقَّ لَهُ، وَقَالَ لِلْمُهَلَّبِ
بْنِ رَبَاحٍ: اسْمَحْ لَهُ بِهَا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَلْهُ
مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: النَّهَّاسُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: خُذْهَا فَهِيَ لَكَ ([1]).
وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ
جَارِيَةً فَأُعْجِبَ بِهَا إِعْجَابًا شَدِيدًا، فَسَمِعَهَا يَوْمًا تُنْشِدُ
أَبْيَاتًا مِنْهَا:
|
وَفَارَقْتُهُ كَالْغُصْنِ
يَهْتَزُّ فِي الثَّرَى |
|
طَرِيرًا وَسِيمًا بَعْدَ مَا طَرَّ
شَارِبُهُ |
فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ
أَنَّهَا تُحِبُّ سَيِّدَهَا، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ وَفِي قَلْبِهِ مِنْهَا.
وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ
فِي «رَبِيعَةَ»: أَنَّ زُبَيْدَةَ قَرَأَتْ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى حَائِطٍ:
|
أَمَا فِي عِبَادِ اللَّهِ أَوْ فِي
إِمَائِهِ |
|
كَرِيمٌ يُجْلِي الْهَمَّ عَنْ
ذَاهِبِ الْعَقْلِ |
|
لَهُ مُقْلَةٌ أَمَّا الْمآقِي
قَرِيحَةٌ |
|
وَأَمَّا الْحَشَا فَالنَّارُ
مِنْهُ عَلَى رِجْلِ |
فَنَذَرَتْ أَنْ تَحْتَالَ لِقَائِلِهَا إِنْ عَرَفَتْهُ حَتَّى تَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُحِبُّهُ، فَبَيْنَا هِيَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، إِذْ سَمِعَتْ مَنْ يُنْشِدُهُمَا، فَطَلَبَتْهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَهُمَا فِي ابْنَةِ عَمٍّ لَهُ نَذَرَ أَهْلُهَا أَنْ لاَ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ، فَوَجَّهَتْ إِلَى الْحَيِّ،
([1])أخرجه: الخرائطي في اعتلال القلوب رقم (523).