وَعِشْقٌ: هُوَ مَقْتٌ
عِنْدَ اللَّهِ وَبُعْدٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَهُوَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ
فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَهُوَ عِشْقُ الْمُرْدَانِ، فَمَا ابْتُلِيَ بِهِ
إِلاَّ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ، وَطُرِدَ عَنْ بَابِهِ، وَأُبْعِدَ
قَلْبُهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجُبِ الْقَاطِعَةِ عَنِ اللَّهِ،
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا سَقَطَ الْعَبْدُ مِنْ عَيْنِاللَّهِ،
ابْتَلاَهُ بِمَحَبَّة الْمُرْدَانِ.
وَهَذِهِ الْمَحَبَّة هِيَ
الَّتِي جَلَبَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ مَا جَلَبَتْ، فَمَا أُتُوا إِلاَّ مِنْ
هَذَا الْعِشْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي
سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} [الْحِجْرِ: 72] .
وَدَوَاءُ هَذَا الدَّاءِ:
الاِسْتِعَانَةُ بِمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَصِدْقُ اللَّجَأِ إِلَيْهِ،
وَالاِشْتِغَالُ بِذِكْرِهِ، وَالتَّعْوِيضُ بِحُبِّهِ وَقُرْبِهِ، وَالتَّفَكُّرُ
فِي الأَْلَمِ الَّذِي يُعْقِبُهُ هَذَا الْعِشْقُ، وَاللَّذَّةُ الَّتِي
تَفُوتُهُ بِهِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ أَعْظَمِ مَحْبُوبٍ، وَحُصُولُ
أَعْظَمِ مَكْرُوهٍ، فَإِذَا أَقْدَمَتْ نَفْسُهُ عَلَى هَذَا وَآثَرَتْهُ،
فَلْيُكَبِّرْ عَلَى نَفْسِهِ تَكْبِيرَ الْجِنَازَةِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ
الْبَلاَءَ قَدْ أَحَاطَ بِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ:
الْعِشْقُ الْمُبَاحُ، وَهُوَ الْوَاقِعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَعِشْقِ مَنْ وُصِفَتْ
لَهُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ، أَوْ رَآهَا فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَتَعَلَّقَ
قَلْبُهُ بِهَا، وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ ذَلِكَ الْعِشْقُ مَعْصِيَةً، فَهَذَا لاَ
يُمْلَكُ وَلاَ يُعَاقَبُ، وَالأَْنْفَعُ لَهُ مُدَافَعَتُهُ، وَالاِشْتِغَالُ
بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُ، وَيَجِبُ الْكَتْمُ وَالْعِفَّةُ وَالصَّبْرُ
فِيهِ عَلَى الْبَلْوَى، فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعَوِّضُهُ عَلَى
صَبْرِهِ لِلَّهِ وَعِفَّتِهِ، وَتَرْكِهِ طَاعَةَ هَوَاهُ، وَإِيثَارِ مَرْضَاةِ
اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ.
****
الشرح
الإِنْسَانُ قَد يَعشَق امرأَة ويَطلبُها للزَّواج، فإنْ كانَ أَهلاً لهَا فيَنبَغي لأَهلِ الخَير أنْ يَتوسَّطوا لَه ويُسَاعِدوه عَلى تَحصِيلهَا، مِن أَجلِ أنْ يَتجنَّب الحَرامَ.