وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى زَيْنَبَ
فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَقَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ
شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ امْرَأَةً
فَأَعْجَبَتْهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ» ([1]).
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
عِدَّةُ فَوَائِدَ:
مِنْهَا: الإِْرْشَادُ إِلَى
التَّسَلِّي عَنِ الْمَطْلُوبِ بِجِنْسِهِ، كَمَا يَقُومُ الطَّعَامُ مَكَانَ
الطَّعَامِ، وَالثَّوْبُ مَقَامَ الثَّوْبِ.
وَمِنْهَا: الأَْمْرُ
بِمُدَاوَاةِ الإِْعْجَابِ بِالْمَرْأَةِ الْمُوَرِّثِ لِشَهْوَتِهَا بِأَنْفَعِ
الأَْدْوِيَةِ، وَهُوَ قَضَاءُ وَطَرِهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَذَلِكَ يَنْقُضُ
شَهْوَتَهُ لَهَا.
وَهَذَا كَمَا أَرْشَدَ
الْمُتَحَابِّينَ إِلَى النِّكَاحِ، كَمَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا:
«لَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابِّينَ مِثْلُ النِّكَاحِ» ([2]).
فَنِكَاحُ الْمَعْشُوقَةِ
هُوَ دَوَاءُ الْعِشْقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ دَوَاءً شَرْعًا، وَقَدْ
تَدَاوَى بِهِ دَاوُدُ عليه السلام وَلَمْ يَرْتَكِبْ نَبِيُّ اللَّهِ مُحَرَّمًا،
وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَضَمَّهَا إِلَى نِسَائِهِ لِمَحَبَّتِهِ
لَهَا، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ بِحَسَبِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَعُلُوِّ
مَرْتَبَتِهِ، وَلاَ يَلِيقُ بِنَا الْمَزِيدُ عَلَى هَذَا.
وَأَمَّا قِصَّةُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: فَزَيْدٌ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى طَلاَقِهَا وَلَمْ تُوَافِقْهُ، وَكَانَ يَسْتَشِيرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي فِرَاقِهَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُ بِإِمْسَاكِهَا، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مُفَارِقُهَا لاَ بُدَّ، فَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا إِذَا فَارَقَهَا زَيْدٌ، وَخَشِيَ مَقَالَةَ النَّاسِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَبَنَّى زَيْدًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يُرِيدُ أَنْ يُشَرِّعَ شَرْعًا عَامًّا فِيهِ مَصَالِحُ عِبَادِهِ.