×
إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان

فدلَّت هذه الأَحاديث على أَن مما يتأَكَّد على الصائم الاعتِناء بصيامِه والمحافظة عليه، وأَنه لو تعدَّى عليه أَحدٌ بالضربِ والشتْمِ؛ لم يجزْ له الردَّ عليه بالمثل - وإِن كان القصاص جائزًا -، لكن في حالة الصِّيام يَمتنع مِن ذلك ويقول: إِنِّي صَائمٌ. وإِذا كان ذلك لا يجوز قصاصًا، فالابتداءُ به أَشدُّ تحريمًا وأَعظمُ إِثمًا؛ لأَن الاعتداءَ يَحرُم في كل وقتٍ، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ [البقرة: 190].

والاعتداء في حالة الصِّيام أَشدُّ شنَاعةً وأَعظم إِثمًا، فيجب على الصائم أَن يَكفَّ لسانَه عمَّا لا خير فيه مِن الكلام: كالكذب، والنَّمِيمة، والغِيبة، والمشاتَمة، وكلِّ كلامٍ قبيحِ؛ وكذا كفُّ نفسِه وبدنِه عن سائر الشهواتِ والمحرَّمات؛ لعمومِ قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ([1]). وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَلا يَرْفَثْ وَلاَ يَفْسُقْ» ([2]).

وسِرُّ الصومِ ومقصُوده كَسْر النَّفسِ عن الهوى، والقوَّةُ على التحفُّظِ مِن الشيطان وأَعوانِه.

قال بعض العلماء: ينبغي له أَن يصومَ بجميع جوارحِه: ببشْرَتِه، وبعينِه، وبلسانِه، وبقلبه؛ فلا يغتاب ولا يشتِم ولا يخاصِم ولا يكذِب، ولا يُضيِّع زمانَه بإِنشاد الأَشعار ورواية الأَسمار، والمضحِكاتِ والمدحِ والذمِّ بغيرِ حقٍّ، ولا يمدُّ يدَه إِلى باطلٍ، ولا يمشي برجْلِه إِلى باطل.

وقد قال العلماء: إِن الغِيبة كما تكون باللِّسان تكون بغيرِه، كالغَمزِ بالعينِ واليد والشَّفة.

والصوم ينقصُ ثوابه بالمعاصي وإِن لم يَبطلْ بها، فقد لا يحصل الصائم على ثوابٍ مع تحمُّلِه التعب بالجوع والعطش؛ لأَنه لم يصمِ الصوم المطلوبَ شرعًا بترْك المحرمات.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1903).

([2])أخرجه : البخاري رقم (1894)، ومسلم رقم (1151).