18- في بيانِ أَحكامِ القضَاءِ
الحمد لله ربِّ
العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه أَجمعين؛ وبعد:
اعلموا أَنَّ مَن
أَفطرَ في رمضانَ بسببٍ مباحٍ: كالأَعذار الشَّرعيَّةِ التي تُبيح الفِطْرَ، أَو
بسببٍ مُحرَّمٍ: كمَن أَبطل صومه بجماعٍ أَو غيرِه؛ وجب عليه القضاء، لقوله تعالى:
﴿فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ
أُخَرَۚ﴾ [البقرة: 184]، ويستحبُّ له المبادرةُ بالقضاءِ لإِبراءِ ذِمَّتِه،
ويستحبُّ أَن يكونَ القضاءُ مُتتابعًا؛ لأَنَّ القضاءَ يحكي الأَداء، وإِن لم يقضِ
على الفور وَجَبَ العَزمُ عليه، ويجوز له التَّأْخيرُ لأَنَّ وقتَه مُوسَّعٌ،
وكلُّ واجبٍ مُوسَّعٍ يجوز تأْخيرُه مع العَزم عليه، كما يجوز تفرقته بأَن يصومَه
متفرِّقًا؛ لكن إِذا لم يبقَ مِن شعبانَ إِلاَّ قَدْرُ ما عليه؛ فإِنَّه يجب عليه
التَّتابع إِجماعًا لضِيق الوقتِ، ولا يجوز تأْخيرُه إِلى ما بعد رمضانَ الآخر
لغيرِ عذرٍ؛ لقول عَائشَةَ رضي الله عنها: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ
مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ؛
لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » ([1]).
فدل هذا على أَن وقتَ القضاءِ مُوسَّعٌ إِلا أَن لا يبقَى مِن شعبانَ إِلاّ قدْر الأَيام التي عليه؛ فيجب عليه صيامُها قبل دخولِ رمضانَ الجديد، فإِن أَخَّرَ القضاءَ حتى أَتى عليه رمضانُ الجديدُ؛ فإِنه يصوم رمضانَ الحاضرَ، ويقضِي ما عليه بعدَه، ثمَّ إِن كان تأْخيرُه لعذرٍ لم يتمكَّن معه مِن القضاءِ في تلك الفترةِ؛ فإِنه ليس عليه إلا القضاء،
الصفحة 1 / 112