وكذلك ترتيلُ
القراءةِ أَفضل مِن السُّرعةِ، والسُّرعةُ المباحةُ هي التي لا يحصُلُ معها إِسقاط
شيءٍ مِن الحروف، فإِن أَسقَطَ بعض الحروفِ لأَجل السُّرعةِ؛ لم يجزْ ذلك ويُنهى
عنه، وأَما إِذا قرأَ قراءةً بيِّنةً ينتفع بها المصلون خلفَه؛ فحَسنٌ، وقد ذمَّ
الله الذين يقرءون القرآنَ بلا فَهمِ معناه؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: 78]: أَي
تلاوةً بلا فَهمٍ، والمراد مِن إِنزال القرآن فهمُ معانيه، والعملُ به، لا مجرَّدَ
التلاوة. انتهى كلامُه رحمه الله.
وبعض أَئمَّةِ
المساجد لا يُصلُّون التراويح على الوجْه المشروعِ، لأَنَّهم يُسرِعون في القراءةِ
سُرعةً تُخلُّ بأَداءِ القرآن على الوجه الصَّحِيح، ولا يطمئنونَ في القيام
والرُّكوعِ والسُّجودِ، والطُّمْأَنينة رُكنٌ مِن أَركان الصَّلاة، ويأْخذون
بالعددِ الأَقلَّ في الرَّكعاتِ، فيجمعون بين تقليلِ الركعاتِ وتخفيفِ الصلاةِ
وإِساءةِ القِراءة، وهذا تلاعبٌ بالعبادة ([1])! فيجب عليهم أَن
يتَّقُوا الله ويحسنُوا صلاتَهم، ولا يحرموا أَنفسَهم ومَن خَلْفَهم مِن أَداءِ
التَّراويح على الوجْه المشرُوع ([2]).
وفَّق اللهُ الجميعَ
لما فيه الصَّلاح والفَلاح.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وآله وصحبِه.
****
([1])وبعضهم يرفع صوتَه بالقراءةِ خارجَ المسجد بواسطةِ الميكرفون؛ فيُشوِّش على مَن حوله من المساجدِ، ولا يتقيد بالتَّعميم الصادر بمنع ذلك، وهذا لا يجوز. - قال شيخ الإِسلام ابنُ تيْميَّةَ: «مَن كان يقرأُ القرآنَ والناس يصلُّون تطوُّعًا؛ فليس له أَن يجهرَ جهرًا يشغلُهم به، فإِنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم خرج على أَصحابِه وهم يصلون في المسجدِ فقال: «يا أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة» انتهى. «مجموع الفتاوى» «23/ 61 - 62، 64».
([2])وبعض أَئمَّة المساجد يُسرع في القراءةِ ويُطيلها مِن أَجل أَن يختِمَ القرآنَ في أَول العَشر الأَواخر أَو وسطِها، فإِذا ختمَه ترك مسجدَه وسافر للعمرةِ، وخلَّف مكانَه مَن قد لا يَصلُح للإِمامة، وهذا خطأٌ عظيمٌ ونقصٌ كبيرٌ، وتضييعٌ لما وُكِّل إِليه مِن القيام بإِمامة المصلين إِلى آخرِ الشَّهر، فقيامُه بذلك واجبٌ عليه، والعُمرة مستحبة، فكيف يتركُ واجبًا عليه لفِعلِ مستحبٍّ؟! وإِنَّ بقاءه في مسجدِه وإِكمالَه أَفضل له مِن العُمرةِ. - وبعضهم إِذا ختم القرآنَ خفَّف الصَّلاةَ وقلَّل القراءةَ في بَقيَّة ليالي الشهر، التي هي ليالي الإِعتاقِ مِن النار، - وكأَن هؤلاءِ يَرون أَن المقصودَ مِن التَّراويح والتَّهجُّد هو خَتمُ القرآنِ، لا إِحياء هذه الليالي المباركة بالقيامِ اقتداءً بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وطلبًا لفضائلها؛ وهذا جهلٌ مِنهم، وتلاعبٌ بالعبادة، - ونرجو الله أَن يردَّهم إِلى الصواب.
الصفحة 3 / 112