×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ [ الفاتحة: 5]: هذا لله سبحانه وتعالى، حقُّه جل وعلا على عباده، ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ[الذاريات: 56].

فالعبادة حقٌّ الله على عباده، كما في حديث معاذ رضي الله عنه: «أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»([1]).

وأما ﴿نَسۡتَعِينُ [الفاتحة: 5] فهذا للعبد، فهو بحاجة إلى إعانة الله سبحانه وتعالى، بمقتضى وعده الكريم أن يعين من استعان به سبحانه وتعالى.

﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ [الفاتحة: 6]: طلب الهداية من الله عز وجل.

والهداية على قسمين: هداية بمعنى الدلالة والإرشاد. وهداية بمعنى التوفيق. فهذا الدعاء يشمل النوعين، فأنت تسأل الله جل وعلا هداية الإرشاد وهداية التوفيق.

والهداية الأولى: حاصلة لكل أحد، للمؤمن والكافر؛ لأن الله هدى الناس، بمعنى أنه دلَّهم وأرشدهم إلى طريق السعادة، ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ [فصلت: 17]، هديناهم بمعنى بَيَّنَّا لهم ودللناهم على الحق، لكنهم لم يقبلوا ولم يُوفَّقوا للَقبول.

فالهداية العامة هي هداية الدلالة والإرشاد؛ لأنها حاصلة لكل أحد.

وأما هداية التوفيق والتثبيت على الحق: فهي خاصة بالمؤمنين، هداهم الله، بمعنى وفَّقهم وثبتهم على الحق.

ولهذا جاءت الهداية منفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاءت مثبتة له - في قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ [القصص: 56]،


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (2856)، ومسلم رقم (30).