×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

﴿إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ [البقرة: 14] مستهزئون بإظهار إيماننا أمامهم، نسخر بهم ونستهزئ بهم ونخدعهم، وهم يُصدِّقوننا لأنهم سفهاء.

قوله تعالى: ﴿ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ [البقرة: 15]: أي: يستدرجهم ويمهلهم ويعطيهم الخير خديعةً لهم، ثمَّ يُحِل بهم العقوبة الرادعة.

وهذا هو الاستهزاء من الله، وهو استهزاء محمود؛ لأنه عَدْل منه سبحانه.

أما استهزاؤهم فهو مذموم؛ لأنه ظلم وجَوْر.

فالاستهزاء من الصفات التي لا تُطبَّق على الله إلا في مقام المقابلة.

فالله لا يوصف بالاستهزاء المطلق، لكن يوصف بأنه سبحانه يستهزئ بمن يستهزئ بعباده المؤمنين، حكم عدل بأن يوصل العقوبة إلى من يستحقها على وجه لا يشعر به.

ومن ذلك: أن المنافقين يُعْطَون شيئًا مما أرادوا في الدنيا، مِن حقن دمائهم وحماية أموالهم، لكن لهم العاقبة الوخيمة.

وكذلك في الآخرة، يُعْطَون شيئًا من النور في بداية الأمر، ثم يُسْلَب منهم فيصبحون في ظلمة، كما قال تعالى: ﴿يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ [الحديد: 13]، ينطفئ نورهم -والعياذ بالله-، ولهذا يقول المؤمنون عند ذلك: ﴿رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ [التحريم: 8]، فإذا انطفأ نور المنافقين خاف المؤمنون فدَعَوا ربهم بإتمام نورهم.

قوله تعالى: ﴿وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ [البقرة: 15]: أي: يستدرجهم ويَزيدهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة؛ وذلك من أجل أن يستمرئوا النفاق ويستسيغوه. والطغيان: هو الخروج عن الحق والاعتدال. 


الشرح