انظروا
إلى سوء أدبهم مع الله، ﴿قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ﴾
[البقرة: 67] هذا والعياذ بالله من أشد المنكرات! أن يصفوا رسول الله بأنه
يهزأ بهم، وهو يبلِّغهم عن الله سبحانه وتعالى، ﴿قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾ [البقرة:
67]؛ لأن هذا الذي تقولونه - وهو الاستهزاء بالناس والسخرية منهم - فِعل الجاهلين،
الذي يُنزَّه عنه المسلم فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل هو
الذي أمره بهذا.
فكان
الواجب عليهم أن يبادروا ويستجيبوا لله عز وجل، ويذبحوا البقرة، فالأمر إذا جاء عن
الله أو جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هناك مجال للتردد، بل الواجب
الامتثال، سواء عَرَفنا الحكمة أم لم نعرف﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ
وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن
يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾
[الأحزاب: 36].
فكان
الواجب عليهم المبادرة والامتثال، دون اعتراض ودون تساؤل ودون تعنت، هذا فِعل
المؤمنين الصادقين مع الله ومع رسوله - المبادرة بالامتثال دون اعتراض أو تردد -
لأن الله لا يأمر إلا بما فيه حكمة أو مصلحة، سواء ظهر لنا ذلك أو لم يظهر لنا.
وأن السخرية بالناس والاستهزاء بهم من شأن الجهال، ولا يليق برسول الله موسى عليه
السلام.
ثم
لم يكفهم هذا التعنت، بل لجئوا إلى تعنت آخر: ﴿قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾
[البقرة: 70] كان الواجب عليهم أن يبادروا بذبح البقرة كما أمرهم الله، وأن لا
يسألوا هذه الأسئلة.
ثم تأمل قولهم: ﴿ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ [البقرة: 68] أليس هو ربهم أيضًا؟ لماذا لم يقولوا: ادع ربنا؟ أو: ادع ربنا وربك؟ أما أن يقولوا: ﴿ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ﴾، هذا من سوء الأدب.