وهذا
مثل قولهم لما أمرهم موسى عليه السلام أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم: ﴿قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ
إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ أَبَدٗا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ
فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ﴾ [المائدة:
24].
وهذا
شأن السفهاء، أنهم يصفون الأبرياء بصفاتهم التي يتصفون هم بها، فمن صفاتهم
الاستهزاء والسخرية، ونسبوا هذا إلى موسى عليه السلام، فقالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ﴾
[البقرة: 67]. كما يقول المثل: رمتني بدائها وانسلت.
﴿قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ﴾
[البقرة: 68] سبحان الله! يقول لكم: اذبحوا بقرة. والبقر موجود، فلماذا لم تبادروا
وتذبحوا بقرة من البقر؟! الله ما شَدَّد عليكم، ما قال: بقرة صفتها كذا وصفتها
كذا. حتى يتعسر وجودها، بل إنه سبحانه أطلق فقال: اذبحوا بقرة. أيّ بقرة!! لكنهم
لجئوا إلى التعنت والتباطؤ في امتثال أمر الله ورسوله، ﴿قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ﴾.
فجاء
الجواب من الله: ﴿قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ
عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ﴾ [البقرة:
68]. هذا تشديد عليهم؛ لما شدَّدوا شدَّد الله عليهم.
﴿لَّا فَارِضٞ﴾ [البقرة:
68]: وهي الكبيرة الهَرِمة، ﴿وَلَا بِكۡرٌ﴾ [البقرة:
68] وهي الصغيرة التي لم تلد. ﴿عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ﴾
[البقرة: 68] بل هي بقرة متوسطة بين الكبيرة والصغيرة.
ولو أنهم بادروا وذبحوا أي بقرة كبيرة أو صغيرة أو متوسطة، لأجزأ! لكن الآن ضاقت الدائرة عليهم؛ لأنهم ضيقوا على أنفسهم ﴿لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ﴾ [البقرة: 68].