×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

ثم إنه حثَّهم على الامتثال وعدم الرجوع إلى السؤال مرة أخرى، ﴿فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ [البقرة: 68] يعني: بادِروا بالامتثال واتركوا عنكم المساءلات التي ليست من صالحكم! فإنهم كلما سألوا شُدد عليهم وضُيِّق عليهم. نسأل الله العافية، فهم الذين يضيقون الواسع على أنفسهم.

﴿قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ [البقرة: 68] أي: بين الفارض وهي الكبيرة، وبين البِكْر وهي الصغيرة.

ثم أَمَرهم ناصحًا لهم أن يتركوا الأسئلة وأن يبادروا بالذبح ﴿فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ [البقرة: 68] هذا هو الواجب من أول الأمر.

ولكن لم يَثْنِهم هذا ولم ينتهِ تعنتهم وكثرة مسائلهم، ﴿قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ [البقرة: 69] الله تعالى لم يحدد لونًا في الأول، فلماذا يسألون عن اللون؟ الله في الأول يأمرهم أن يذبحوا بقرة ولم يحدِّد سنَّها ولم يحدد لونها، لكن هم الذين شددوا على أنفسهم ﴿قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ [البقرة: 69] وما دخل اللون؟! الله تعالى ما حدَّد لكم لونًا، فكيف تسألون عن شيء لم يحدِّده الله لكم؟!

هذا من تعنُّت اليهود، وهذه صفة لا تزال فيهم، والعياذ بالله، على أوامر الله يتعنتون وعلى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يختلفون، كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»([1]).


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (7288)، ومسلم رقم (1337).