الذي
حملهم على هذا هو حسدهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، حَمَلهم الحسد على الكفر، وهم
يعلمون أنه على الحق.
فهذا
- يا عباد الله - فيه بيان خطر الحسد، فالإنسان
لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، بل يسأل الله من فضله أن يعطيه مثل ما
أعطى غيره. أما أنه يحسد الناس - والحسد معناه: تمنِّي زوال النعمة عن المحسود -
هذا هو الحسد. أما الذي يتمنى أن الله يعطيه مثل ما أعطى المحسود، فهذه غِبطة،
وهذا لا بأس. فإذا رأيت على أخيك نعمة في العلم، أو نعمة في الإيمان والعمل
الصالح، أو نعمة في المال الحلال؛ فاسأل الله أن يرزقك مثل رزقه، ﴿وَسَۡٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ﴾ [النساء: 32]، فهو سبحانه أعلم باختياره الرسل، وهو لا
يحابي أحدًا، وإنما يختار لرسالته من يصلح لها.
﴿فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ﴾
[البقرة: 90] باءوا بغضب من الله على غضب، فالغضب الأول كفرهم برسلهم،
والغضب الثاني كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ﴿فَبَآءُو﴾أي: رجعوا
بغضب على غضب بسبب كفرهم برسلهم وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا
فيه وصف الله عز وجل بالغضب، وأنه يغضب عز وجل كما يليق بجلاله، وغضبه صفة فعلية
من صفاته سبحانه، ليس كغضب المخلوق، وإنما هو غضب الخالق سبحانه وتعالى، وصفات
الخالق لا تشبه صفات المخلوقين، ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، ﴿فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ
وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل: 74].
فاليهود مغضوب عليهم، ونحن نقرأ الفاتحة وفي آخرها: ﴿غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾ [الفاتحة: 7]. مَن هم المغضوب عليهم؟