وآفة
أخرى مع قتل الأنبياء وتكذيبهم قالها اليهود المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم
في المدينة، قالوا: ﴿قُلُوبُنَا
غُلۡفُۢۚ﴾ [البقرة: 88]، لما دعاهم
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدخول في الإسلام واتباعه لأنه رسول الله إليهم
وإلى الثقلين الجن والإنس، وأمرهم الله باتباعه، لما دعاهم بماذا أجابوا؟ قالوا: ﴿قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ﴾. ﴿غُلۡفُۢۚ﴾يعني: عليها غلاف، فلا يصل إليها ما تقول، ولا
نفقه ما تقول. يعتذرون بذلك عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يفقهون ما
يقول؛ لأن قلوبهم مغلَّفة من دونه.
كما
قال المشركون لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ
إِنَّنَا عَٰمِلُونَ﴾ [فصلت: 5]، فجواب الكفار واحد.
وكذلك
قوم شعيب قالوا: ﴿يَٰشُعَيۡبُ
مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ﴾ [هود:
91]، مع أن شعيبًا عليه السلام هو أفصح الأنبياء؛ ولذلك يسمى خطيب الأنبياء
لفصاحته وبلاغته وحسن بيانه، ومع هذا: ﴿قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ﴾
[هود: 91].
واليهود
يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم: قلوبنا مغلَّفة، ما نفقه ما تقول، ولو كان حقًّا
لفهمناه، فهذا يدل على أن ما جئت به ليس بحق. والمشركون يقولون: ﴿قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ
مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ﴾ [فصلت: 5]، ومحمد صلى الله عليه
وسلم جاءهم بالحق وبكلام فصيح، بلغة قريش اللغة الفصحى، يعرفونها ويفهمونها، لكن
يعتذرون بهذا العذر القبيح: ﴿قُلُوبُنَا غُلۡفُۢ﴾
[البقرة: 88]، أي: لا تفهم ما تقول، ولا يصل إليها ما تقول.
والله عز وجل ردَّ عليهم بقوله: ﴿بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ﴾ [البقرة: 88]، أي: ليس الأمر كما يقولون بأن قلوبهم غلف. بل قلوبهم مثل سائر البشر مهيأة لقَبول الحق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ،