×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

الله جل وعلا ما عمم الحكم عليهم؛ لأنه سبحانه عدل في حكمه لا يظلم أحدًا؛ ولهذا قال: ﴿أَوَ كُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ [البقرة: 100]، ولم يقل: «أو كلما عاهدوا عهدًا نبذوه فيهم أناس أوفياء». الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدًا، ولا يعم بالحكم كل أحد. وإنما يخص بالحكم من يستحقه، ويستثني منه من لا يستحقه.

﴿بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ [البقرة: 100]، أكثرهم ولم يقل: «كلهم» لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بشريعته، ويفي بعهده.

﴿وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ [البقرة: 101]، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، رسول من عند الله، الرسول هذا مُبَلِّغ وواسطة، هو رسول فقط، رسول من عند الله، كان الواجب أن يطيعوه وأن يتبعوه لأنه رسول من عند الله، ليس رسولاً من عند فلان أو من عند نفسه، بل هو رسول من عند الله. فهو يطاع طاعةً لله سبحانه وتعالى، ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ [النساء: 80].

﴿مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ [البَقَرَة: 89]، هكذا الرسل، يُصَدِّق متأخرُهم متقدمَهم، ويُبشِّر متقدمهم بمتأخرهم. هذه صفة الرسل عليهم السلام.

المتقدِّمون منهم يبشِّرون بالمتأخِّرين، والمتأخِّرون منهم يُصَدُّقون المتقدِّمين، كما قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِين [الصف: 6].

﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ: أي أحمد، ﴿قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ [الصف: 6]: وصفوا الوحي الذي هو القرآن، وصفوه بأنه سحر مبين، ليس من عند الله عز وجل.


الشرح