×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»([1]).

هذا هو جبريل عليه السلام، ملك كريم، سماه الله روح القدس، هذه التسمية العظيمة ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ [النحل: 102]، وروح القدس هو جبريل، ﴿نَزَّلَهُۥ: أي نَزَّل القرآن من الله جل وعلا. وفي الآية الأخرى سماه الروح الأمين؛ ﴿وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ١٩٥ [الشعراء: 192- 195]، ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُأي: جبريل، و ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ هذا وصف القرآن.

والشاهد في قوله: ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ [الشعراء: 193 - 194]، مثل ما في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها، أي: بأمر الله سبحانه وإرادته، جبريل ما جاء به من عنده، ما جاء بالقرآن من عنده، وإنما هو مُبَلِّغ عن الله سبحانه وتعالى، ورسول بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنه رسول بين الله وبين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فهو عبد مرسل ومُبَلِّغ عن الله جل وعلا، ليس هذا القرآن من صنيعه، ولا من اختراعه، ولا من كلامه؛ وإنما هو كلام الله جل وعلا، حَمَّله الله إياه، وأَمَره بأن يبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأَمَر محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يبلغه للأمة. فهذا هو جبريل عليه السلام.

﴿فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ [البقرة: 97]: أي ليس من عنده، وإنما هو بإذن الله، أي: أَمْره ومشيئته وإرادته سبحانه وتعالى.


الشرح

([1]) أخرجه: مسلم رقم (770).