ولم
ينزل على الملكين من ملائكة الله عز وجل؛ وإنما هو من عمل الشياطين. هذا قول.
القول
الثاني: إنَّ «ما» بمعنى «الذي» فيكون معطوفًا على قوله: ﴿يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡر﴾ [البقرة: 102] أي: ويعلمونهم ما أُنْزِل على الملكين.
والذي أُنْزِل على الملكين هو السحر، وذلك أن الله سبحانه أنزل مَلَكين من
الملائكة للناس يعلمونهم السحر لامتحانهم، وهذان المَلَكان ينصحان المتقدم إليهما،
فإذا جاءهما أحد يريد تعلم السحر نصحاه وقالا له: ﴿إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ﴾
[البقرة: 102]. جملتان عظيمتان فيهما نصيحة ونهي، أي: نُعَلِّم السحر
اختبارًا للخلق؛ ليميز المسلم الذي لا يقبل السحر من الكافر الذي يقبل السحر. لا
نُعَلِّم السحر لأنه جائز، فهو محرَّم وكفر بالله.
وقوله:
﴿بِبَابِلَ﴾ [البقرة: 102]: «بابل» معروفة في أرض العراق، وقد نزل
المَلَكان في هذه الأرض يُعَلِّمان الناس السحر من أجل الابتلاء والامتحان وتمييز
المسلم من الكافر، فالمَلَكان ينصحان؛ لأن الملائكة طبيعتهم النصيحة لبني آدم ولا
يغشون، بخلاف الشياطين فإن طبيعتهم الغش لبني آدم؛ فلذلك هذان المَلَكان ينصحان
مَن تَقَدَّم إليهما ويقولان له من باب التحذير: إنما نحن فتنة واختبار وابتلاء،
فلا تكفر. أي: فلا تتعلم السحر؛ لأن تعلم السحر كفر. فمنهم مَن يَقبل النصيحة
ويترك تعلم السحر، ومنهم مَن يُقْدِم على تعلم السحر ويخالف النصيحة.
وهذا
من حكمة الله جل وعلا ليميز الخبيث من الطيب.
﴿فَيَتَعَلَّمُونَ﴾ [البقرة: 102]: أي: الناس، ﴿مِنۡهُمَا﴾ [البقرة: 102]: أي من المَلَكين. وهذا هو الصحيح في تفسير الآية.