فليس
من الحكمة أن المسلمين إذا كانوا قلة، وكان الكفار كثرة، في البلد أو في الدولة،
وكانت القوة بأيدي الكفار؛ ليس من الحكمة أن المسلمين يناوشون الكفار؛ لأن هذا يجر
عليهم ضررًا أعظم.
ولذلك
لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وصار حوله المهاجرون والأنصار،
وكثر المسلمون؛ حينئذٍ أَمَر الله بالجهاد.
فالرسول
صلى الله عليه وسلم جهز الجيوش، وغزا الكفار في بدر وفي أُحُد وفي الخندق وفي فتح
مكة... وغيرها من الغزوات والسرايا، حتى نَصَر الله المسلمين، ودخل الناس في دين
الله أفواجًا.
ثم
تُوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقام بالأمر من بعده خلفاؤه الراشدون: أبو بكر
وعمر وعثمان وعلي، وواصلوا الجهاد في سبيل الله حتى فتحوا المشارق والمغارب، وحتى
غَزَوْا دولة كسرى ودولة قيصر، وهزموا الفرس الأكاسرة، وهزموا الروم القياصرة،
وظهر دين الله، كما قال الله عز وجل: ﴿هُوَ
ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ
كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة:
33]، ودخل اليهود والنصارى تحت حكم الإسلام، وأدَّوا الجزية للمسلمين صاغرين.
هؤلاء
الذين كانوا بالأمس يحاولون صرف المسلمين عن دينهم ويتطاولون عليهم؛ صاروا بعد
الجهاد أذلة مستضعفين.
ولهذا
قال سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ
شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [البقرة:
109]، فالأمر بيد الله، هو القادر على أن يُذِل الكفار، وأن يَكسر شوكتهم، وأن
يقوي المسلمين ويُمدهم بالنصر والعون؛ حتى تكون الغلبة للمسلمين، وقد صدق الله
وعده.
ثم قال جل وعلا: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ﴾ [البقرة: 110] يأمر الله