أتى
بهاجر سريته وابنها إسماعيل وهو صغير، امرأة وطفل جاء بهما إلى هذا الوادي المبارك
فوضعهما فيه، ليس عندهما أنيسٌ. هذا امتحان وابتلاء، قالت له لما وضعهما وانصرف
راجعًا إلى الشام، قالت: لمن تتركنا؟ ولمْ يلتفت إليها، ثم قالت: لمن تتركنا؟ ثم
لما رأته لا يلتفت إليها، وأنه عازم على الذَّهَاب، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال:
نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا. هذا هو الإيمان. قالت: إذًا لا يضيعنا.
وكان
ما كان مما حصل من الشدة عليها وعلى ابنها، ونفد ما معهما من الماء، وما معهما
مِنَ التمر القليل، ولم يبقَ معهما شيءٌ، فصارت تتطلع إلى الإغاثة من الله عز وجل،
وكرهت أن تحضر موت الطفل وهو يتلمظ مِنَ العطش، فذهبت وصعدت على الصفا تترقب لعلها
ترى أحدًا، ثم لم تر أحدًا فهبطت، وذهبت إلى المروة وصعدت عليه لعلها ترى أحدًا،
فعلت هذا سبع مرات بين الصفا والمروة، وفي نهاية الشوط السابع لما صعدت على المروة
سمعت صوتًا فجعلت تتسمع، فإذا هو جبريل عليه السلام جاء وبحث عند الطفل، فنبعت
زمزم في أرضٍ لم يكن فيها ماءٌ، نبعت هذه العين المباركة زمزمة، فجعلت تشرب وتسقي
طفلها.
وبينما هم كذلك جاءت قبيلة جُرْهُم، فرأوا الطيور حول الماء، فقالوا: إن هذه الطيورَ عند ماء، وما عهدنا بهذا المكانِ ماءً. فجاءوا ووجدوا الماء، ووجدوا المرأة والطفل، فطلبوا مِنَ المرأة أن يسكنوا عندها، فأذنت لهم، وألا يكونَ لهم من الماء شيءٌ - أي: ملكية - فنزلوا عندها، وحصل الفرجُ، بعدما كانوا وحدهم نزلت عندهم قبيلة، وتجمع الناس حولهم.