×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

 ثم جاء إبراهيم عليه السلام ينظر ماذا صار لهما، فأمره الله عز وجل ببناء البيت وأراه مكانه، قال تعالى﴿وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ [الحج: 26]، أي: الله أراه موضع البيت وأمره ببنائه، وكان إسماعيل قد كَبِرَ، فأخبره أبوه بأن الله أمره ببناء البيت، وطلب منه أن يساعدَهُ في البناء، فوافق على مساعدة أبيه، فَبَنيا هذا البيت: إبراهيم عليه السلام يبني وإسماعيل يناوله الحجارة. هذا مِنَ الكلمات التي أمره الله بها فأتمها ووفى بها؛ كما قال عز وجل في الآية الأخرى: ﴿وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ [النجم: 37]، أتم ما أمره الله به طاعةً لله سبحانه وتعالى ([1]).

ثم إن الله أمره بذبح ابنه إسماعيل الذي هو بِكْره، الذي رزقه الله إياه وهو قد بلغ مِنَ الكبر ثمانين سنةً، ورزق بهذا المولود على الكبر، وأحبه حبًّا شديدًا، فابتلاه الله فأمره بذبحه، فما كان منه إلا أن أخبر المولود بذلك: قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٠٢ فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ ١٠٣ [الصَّافات: 102-103]، حان تنفيذ الذبح ووضع السكين على حلقه ليذبحه، ﴿وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ١٠٤ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٠٥ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ ١٠٦ [الصافات: 104- 106] أي: الاختبار العظيم، ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ [الصافات: 107]، فدى الله إسماعيل بكبشٍ جيء به، وقيل له: اذبح هذا فداءً بدل ابنك. فذبح الكبش، وكانت سُنّة الأضاحي في يوم عيد النحر اقتداءً بإبراهيم عليه السلام، ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧ وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ١٠٨ سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ١٠٩ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١١٠ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١١ [الصافات: 107- 111].


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (3364).