×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

مِنْ ترك عبادة غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا قالوا: ﴿إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا [البقرة 133]، لم يقولوا: ﴿نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ [البقرة 133]، ويكتفوا بهذا، بل قالوا: ﴿إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا [البقرة 133]: وهذا فيه براءةٌ مِنَ الشرك وترك عبادة غير الله سبحانه وتعالى؛ لأن العبادة إذا دخلها الشرك حبطت وبطلت، ولم تنفع صاحبها، وإنما تنفع العبادةُ صاحبها إذا كانت خالصةً لله عز وجل ليس معها شرك، ولهذا قالوا: ﴿إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا [البقرة 133].

أما الذي يعبد الله ويعبد آلهةً معه فهذا مشرك ولا تنفعه عبادته، ولو صلى الليل والنهار، ولو صام الدهر، ولو حجَّ واعتمر كل سنة، ولو أنفق الأموال، ما دام عنده شرك فإن عملَهُ لا قيمة له وهو عمل باطل.

قال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ [الزمر: 65].

ثم قالوا: ﴿وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ [البقرة 133]: تأكيد بعد تأكيد.

ودلت هذه الآيةُ على أن دين الأنبياء واحدٌ؛ ﴿إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ [البقرة 133]، وهو الإسلام، فالإسلام هو عبادةُ الله بما شرعه في كل وقتٍ بحسبه، فكل مَنِ اتبع رسولاً من الرسل وعبد الله بشريعته في وقتها؛ فهو مسلم في أي وقتٍ كان. فالإسلام عليه جميع الأنبياء وأتباعهم، وهذا فيه أن اتِّباع الآباء والأجداد على الحق محمودٌ، إنما اتِّباع الآباء والأجداد على الباطل فهو مذموم، ولهذا يقول يوسف: ﴿وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ [يوسف: 38].

ثم قال تعالى: ﴿تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ [البقرة: 134].


الشرح