×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

﴿إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ [البقرة: 143]، الله تعالى يعلم ما كان وما يكون، يعلم الغيب والشهادة، فما معنى قوله: ﴿لِنَعۡلَمَ؟ المراد: لنعلم علم ظهورٍ ووقوع، فالله لا يعذب ولا يثيب على علمه بالغيب، إنما يعذب أو يثيب على أفعال العباد إذا ظهرت، فيثيب المؤمنين ويعاقب الكفار، إذا ظهر منهم العمل، ﴿إِلَّا لِنَعۡلَمَأي: ليظهر المطيع مِنَ العاصي، فيعلم الله مَنْ يطيعه ويعلم مَنْ يعصيه بأفعالهم حينما يؤمرون وينهون. أما علمُ الغيب فإن الله سبحانه وتعالى عالمٌ به قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء سبحانه وتعالى، لكن المراد بالعلم هنا: هو علم خاص مترتب على الظهور، المترتب على أعمال العباد، مِنْ طاعةٍ أو معصية.

﴿إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ [البقرة: 143]، يعني: يرتد عن دين الإسلام؛ لأن هناك أناسًا ارتدوا وقالوا: لو كان محمدٌ على حق ما تحول مِنْ بيت المقدس إلى الكعبة. فعند ذلك ارتدوا - والعياذ بالله - عن دينهم.

﴿وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ [البقرة: 143]، إن كانت هذه الحادثة -وهي التحويلُ مِنْ بيت المقدس إلى الكعبة - ﴿لَكَبِيرَةًأي: لعظيمةً على الناس وعلى النفوس تَحَمّلها، وقَبُولها كبير على النفوس، النفوس التي ليس فيها إيمانٌ، أو النفوس التي فيها إيمانٌ ضعيفٌ.

فإن هذه الحادثةَ كبيرةٌ عليهم، لكنْ المؤمنون هذه الحادثة سهلة عليهم جدًّا؛ لأنهم تبعٌ لأوامر الله وأوامر رسوله، ولهذا قال: ﴿إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ [البقرة: 143]؛ فإنها عليهم يسيرةٌ؛ لأنهم يدورون مع أمر الله أينما دار، ولا يعترضون.


الشرح