×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ [البقرة: 143]، لما حُوّلت القبلة مِنْ بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، تَأَسَّف ناسٌ على الصحابة الذين صلوا إلى بيت المقدس وماتوا على ذلك قبل أن تُحَول القبلة إلى الكعبة، تأسفوا عليهم، ولا يدرون ماذا يكون حالهم؟ قال الله جل وعلا: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ أي: صلاتَكُم إلى بيت المقدس؛ لأنها بأمر الله قبل أن تنسخ، هي مِنْ أمر الله، وهي طاعةٌ وإيمان.

والله جل وعلا لا يضيع إيمان عباده، بل يحفظه لهم، فهذه طمأنة للصحابة الذين تأسفوا على موتاهم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، الله جل وعلا قال لهم: إن موتاكم على حق وعلى إيمان؛ لأنهم حينما صلوا إلى بيت المقدس فإن صلاتهم صحيحة قبل النسخ، فهم على حق؛ لأنهم استقبلوا بيت المقدس بأمر الله جل وعلا، ولم ينسخ ذلك في حياتهم، فهم على حق وماتوا عليه.

وفي هذا: دليلٌ لأهل السنة والجماعة على أن الأعمال من الإيمان؛ ردًّا على المرجئة؛ لأن الله سمى الصلاةَ إيمانًا، والصلاة عمل، فدلَّ على أن العمل داخل في الإيمان، وليس العمل خارجًا عن حقيقة الإيمان كما تقوله المرجئة أهل الضلال، فهذا مِنْ أوضح الأدلة لأهل السنة والجماعة للرد على المرجئة، والحمد لله.

﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ [البقرة: 143]، ذكر صفتين مِنْ صفاته سبحانه، وهي الرأفة والرحمة بعباده، وإذا كان رءوفًا رحيمًا، وهو أرحم بعبده من الوالدة بولدها؛ فإنه لا يضيع أعمال عباده المؤمنين، بل إنه سبحانه يضاعفها لهم أضعافًا


الشرح