فاليهود
يستحلون ما حرَّم الله، يستحلون الربا، ويستحلون كثيرًا مِنَ المحارم، والنصارى
يتشددون في التحريم. هذه الأمة وسط في التحليل والتحريم بين الطائفتين، يحرِّمون
ما حرم الله ورسولُهُ صلى الله عليه وسلم، ويُحلون ما أحل الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم، وليسوا كاليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون
الله والمسيح ابن مريم.
ولما
سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه قول الله تعالى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 31] - وكان نصرانيًّا قبل أن يمنَّ اللهُ عليه
بالإسلام - قال: لسنا نعبدهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ
يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ
فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»([1]).
هذه
الأمةُ - ولله الحمدُ - تأخذ ما أحل الله لها مِنَ الطيبات، وتترك ما حرَّم الله
عليها مِنَ الخبائث، فهي وسط في هذا الباب، وفي كل شيءٍ بين اليهود والنصارى، فلا
إفراط ولا تفريط. والإفراط معناه: الغلو والتشدد، والتفريط معناه: الإهمال والترك،
هذه الأمة - ولله الحمد - ملتزمة، ملتزمة لدينها مِنْ غير إفراطٍ ومِنْ غير تفريط.
﴿جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا﴾ [البقرة: 143]: وكما أن هذه الأمةَ وسطٌ بين الأمم فإن
أهل السنة والجماعة وسطٌ بين الفرق الضالة:
فأهل السنة والجماعة وسطٌ في باب أسماء الله وصفاته بين المعطلة والمشبِّهة، بين المعطلة الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وبين المشبِّهة الذين يغلون في باب الأسماء والصفات حتى يُشَبّهوا الله بخلقه، تعالى الله عن ذلك؛
([1]) أخرجه: الطبراني في الكبير رقم (218)، والبيهقي رقم (20350).