×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ [البقرة: 143]. هذا تعليل، لماذا جعل اللهُ هذه الأمةَ وسطًا، أي: عدلاً خيارًا؟ لأجل أن تشهدَ على الناس.

ما معنى: ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ؟

هذا في يوم القيامة إذا جاءت الأممُ ورسلُهُم، فالرسل يقولون: يا ربَّنا، قد بلَّغنا أممنا لكنهم عصونا. والأمم يقولون: أبدًا ما بلَّغونا، ولا جاءنا مِنْ نذير. هكذا يقول الكفرة يوم القيامة، يجحدون تبليغ الرسل لهم وإقامة الحجة عليهم، ويقولون: ﴿مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ [المائدة: 19]. فيقول الله سبحانه وتعالى للنبيين: مَنْ يشهد لكم أنكم قد بلغتم أممكم؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فتشهد أن الرسل قد بلَّغوا أممهم البلاغ المبين، وأقاموا عليهم الحجة، وقطعوا منهم المعذرة، فيقال لهم: كيف شهدتم على الأمم السابقة وأنتم آخر الأمم؟ فيقولون: يا ربنا، لقد أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت علينا كتابًا، وأخبرتنا بما وقع بين الأنبياء والرسل، فنحن نشهد بما أنزلت علينا مِنْ كتابك، وبما أرسلت إلينا مِنْ رسولك([1]) وبهذا يظهر فضلُ هذه الأمة على غيرها مِنَ الأمم.

وكذلك يدخل في قوله تعالى: ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ [البقرة: 143]، يدخل في هذا في الدنيا: أن الأمة إذا شهدت لشخصٍ بالصلاح والاستقامة وشهدت له بالجنة؛ فإنها تجب له الجنة بشهادة هذه الأمة، وإذا شهدوا على شخصٍ بالضلال والكفر والنار فإنه تجب له النار؛ وذلك كما ثبت في الحديث: عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه،


الشرح

([1]) أخرجه: أحمد رقم (11558)، وابن ماجه رقم (4284).