أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ عَلَيْهِ جَنَازَةٌ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا
خَيْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ
مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «أَنْتُمْ
شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَْرْضِ»([1])
فهذه
الأمة لا تشهد لأحدٍ بحسب الهوى وإنما تشهد بالحق، فمَنْ شهدت له بالصلاح
والاستقامة، شهدت له بالجنة فأوجبها الله له. ومن شهدت له بخلاف ذلك أوجب له ما
شهدت به عليه؛ لأنها أمةٌ وسطٌ.
وبهذا
استدل العلماء على حُجِّية الإجماع، فإذا أجمعت الأمةُ على شيء فإن إجماعهم حجةٌ
قاطعةٌ، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ
جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ [البقرة: 143]، وقد قال صلى
الله عليه وسلم: «إِنَّ أُمَّتِي لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ»([2])
﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ
عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾ [البقرة: 143] ﴿ٱلرَّسُولُ﴾ أي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ﴿عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم
لهذه الأمة بالوسطية والصلاحية، وأن شهادتها حق يوم القيامة، فيزكيهم صلى الله
عليه وسلم، وكذلك يشهد الرسول على مَنْ عاند وكفر وعصى؛ يشهد الرسول صلى الله عليه
وسلم عليه أنه قد بلَّغه وأنه عصى الله عز وجل بعدما بَلَغَتْهُ الحجة مِنَ الكتاب
والسنة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم شهيدٌ على هذه الأمة يوم القيامة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَٰهِدُواْ فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ﴾ [الحج: 78]. فالأمة تشهد على الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد على هذه الأمة.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1367)، ومسلم رقم (949).