×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فاليهود والنَّصارى يعلمون أنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم إذا بُعث فسيستقبل الكعبة، هذا موجود في كتبهم، يعلمون أن مِنْ صفاته صلى الله عليه وسلم أنَّه يستقبل الكعبة، فلو لم يستقبلها لقال اليهود والنَّصارى: ليس هو النَّبيَّ الموصوفَ في كتبنا. فصار لهم حجَّة عليه؛ بأنه ليس هو النَّبيَّ؛ لأنه خالف ما في كتبهم ولم يستقبلِ الكعبة.

وأمَّا المشركون فلو لم يستقبلِ الكعبةَ لقالوا: هذا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يزعم أنَّه على ملَّة إبراهيم عليه السلام، ولم يستقبلْ قبلة إبراهيم عليه السلام وهي الكعبة، فيدَّعون عليه: كيف يدَّعي أنَّه على ملَّة إبراهيم عليه السلام ويستقبل غير قبلته وهي الكعبة؟! فيكون لهم حجَّة عليه.

فالله عز وجل دحض حججهم بهذا؛ بأنْ أمره أن يستقبلَ الكعبة حتَّى لا يكونَ لهم عليه مطعنٌ في أنَّه لم يستقبل الكعبة، وهم يعلمون أنَّه سيستقبل الكعبة، وأنَّ الكعبة قبلةُ إبراهيم عليه السلام، وهو مِنْ أتباع إبراهيم، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ [النحل: 123]، وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ [الأنعام: 161].

ومِنْ ملَّة إبراهيم عليه السلام استقبالُ الكعبة المشرَّفة، فلو لم يستقبلها لاحتجَّ عليه المشركون. لو لم يستقبلها - أيضًا - لاحتجَّ عليه المنافقون، فقالوا: هذا الرَّجل ما يدري أين يستقبل: تارةً كذا وتارة كذا. فإذا استقبل الكعبة وترك ما سواها خُصِمَ المنافقون، هذا معنى قوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ [البقرة: 150].

﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ [البقرة: 150]: الذين لا يريدون الحقَّ هؤلاء هم الظَّلمة، هؤلاء لا يمكن أن تقنعهم مهما عملت، أنت تدلُّهم على الحقِّ، هم لا يريدون الحقَّ فلا يمكن أن تقنعهم، هؤلاء لا عبرة بهم،


الشرح