وفي
الآية الأخرى يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ
يُرۡزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169]، أحياء عند ربهم، ما هم مثل حياتهم في
الدنيا، حياة عند الله برزخية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ
أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ
وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا
خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١٧٠﴾
[آل عمران: 169-170]، هؤلاء هم الشهداء في سبيل الله، الذين قتلوا في المعركة وهم
يقاتلون؛ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا.
وحكم
هؤلاء حكم الجنائز مِنْ ناحية أنهم يدفنون مثلما تُدْفن الجنائز في القبور، لكنهم
يختلفون عن الجنائز في أنهم لا يغسَّلون، مِنْ أجل أن تبقى عليهم دماء الشهادة في
سبيل الله، تبقى عليهم الدماء إكرامًا لهم؛ لأنها آثارٌ نشأت عن طاعة الله جل
وعلا. فيأتون يوم القيامة تثعب دماؤهم كما قتلوا، لونُهَا لون الدم وريحها ريح
المسك إكرامًا لهم، فلا يغسَّلون مِنْ أجل أن تبقى عليهم دماؤهم؛ لأنها آثار طاعة
وآثار جهاد في سبيل الله عز وجل.
ويُكَفَّنون في أثوابهم التي قُتِلُوا فيها، ولا يُؤتى لهم بأثوابٍ أخرى، بل يُكفَّنون في أثوابهم التي قُتلوا فيها، وفيها الدماء وفيها آثار الشهادة، تبقى عليهم، ولا يُصَلى عليهم صلاة الجنازة؛ لأنهم أحياءٌ عند ربهم، الصلاة على الجنازة شفاعة، وهؤلاء ليسوا بحاجةٍ إلى الشفاعة؛ لأنهم أحياء عند ربهم، ونالوا مِنْ كرامة الله ما يغنيهم عن الصلاة - صلاة الجنازة - عليهم، فلا يُصَلَّى عليهم، ويُدفنون على هذه الهيئة، على هيئة وجودهم في المعركة؛ عليهم دماؤهم وعليهم ثيابهم