قال
بعض العلماء: المراد بهم اليهودُ؛ لأنهم كتموا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهم
يعرِفونها، لكن الآية عامةٌ؛ عامة لليهود وغيرِهم، فكل مَنْ عَلِمَ علمًا وكتمه
فإنه يتناوله هذا الوعيد، لكنَّ هناك علمًا لا يجوز نشرُهُ بين الناس إذا كان
الناس يفهمونه على غير المقصود، إذا كان في نشره ضررٌ على الناس؛ لأنهم يفهمونه
على غير المقصود؛ فإنه لا يُنْشَر على كل الناس، وإنما ينشر على الخواص مِنْ أهل
العلم. أما العوام الذين إذا سمعوه فهموه على غير المقصود فإنه لا يُنْشر فيهم.
وهذا
كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا
مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ
عَلَى اللهِ؟»، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ
اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ
العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ
تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا»([1]).
لا
تخبرهم بأن الله لا يعذب مَنْ لا يشرك به شيئًا؛ فيتكلوا ويتركوا الأعمال
ويتساهلوا بالمعاصي، ويقولوا: الحمد لله، ما دام ما عندنا شركٌ فنحن ما علينا
خوفٌ. لا، المعاصي حرام وفيها ضرر وفيها إثمٌ ولو لم تكن مِنَ الشرك؛ فإذا كانوا
يفهمون هذا الفهم فلا تخبرْهم، حتى يكونَ عندهم خوفٌ مِنَ المعاصي، خوفٌ مِنَ
الذنوب.
أما إذا قلت لهم: الذي ليس عنده شركٌ يُغفر له، كأنهم يطمعون ويتساهلون في الذنوب التي دون الشرك فتهلكهم؛ فكان في إبلاغهم هذا العلمَ ضررٌ عليهم، فهنا يجوز كتمان العلم للمصلحة، مصلحةٍ راجحة،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2856)، ومسلم رقم (30).